×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 فَصْلٌ

فَهَذَا الْحُبُّ لاَ يُنْكَرُ وَلاَ يُذَمُّ، بَلْ هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْحُبِّ، وَكَذَلِكَ حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَإِنَّمَا نَعْنِي الْمَحَبَّة الْخَاصَّةَ، الَّتِي تَشْغَلُ قَلْبَ الْمُحِبِّ وَفِكْرَهُ وَذِكْرَهُ بِمَحْبُوبِهِ، وَإِلاَّ فَكُلُّ مُسْلِمٍ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّة اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لاَ يَدْخُلُ الإِْسْلاَمَ إِلاَّ بِهَا، وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي دَرَجَاتِ هَذِهِ الْمَحَبَّة تَفَاوُتًا لاَ يُحْصِيهِ إِلاَّ اللَّهُ، فَبَيْنَ مَحَبَّة الْخَلِيلَيْنِ وَمَحَبَّة غَيْرِهِمَا مَا بَيْنَهُمَا.

فَهَذِهِ الْمَحَبَّة هِيَ الَّتِي تُلَطِّفُ وَتُخَفِّفُ أَثْقَالَ التَّكَالِيفِ، وَتُسَخِّي الْبَخِيلَ، وَتُشَجِّعُ الْجَبَانَ، وَتُصَفِّي الذِّهْنَ، وَتُرَوِّضُ النَّفْسَ، وَتُطَيِّبُ الْحَيَاةَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، لاَ مَحَبَّة الصُّوَرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَإِذَا بُلِيَتِ السَّرَائِرُ يَوْمَ اللِّقَاءِ، وَكَانَتْ سَرِيرَةُ صَاحِبِهَا مِنْ خَيْرِ سَرَائِرِ الْعِبَادِ، كَمَا قِيلَ ([1]) :

سَيَبْقَى لَكُمْ فِي مُضْمَرِ الْقَلْبِ وَالْحَشَا

 

سَرِيرَةُ حُبٍّ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ

وَهَذِهِ الْمَحَبَّة هِيَ الَّتِي تُنَوِّرُ الْوَجْهَ، وَتَشْرَحُ الصَّدْرَ، وَتُحْيِي الْقَلْبَ.

وَكَذَلِكَ مَحَبَّة كَلاَمِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مِنْ عَلاَمَةِ حُبِّ اللَّهِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَا عِنْدَكَ وَعِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ مَحَبَّة اللَّهِ، فَانْظُرْ مَحَبَّة الْقُرْآنِ مِنْ قَلْبِكَ، وَالْتِذَاذَكَ بِسَمَاعِهِ أَعْظَمَ مِنَ الْتِذَاذِ أَصْحَابِ الْمَلاَهِي وَالْغَنَاءِ الْمُطْرِبِ بِسَمَاعِهِمْ، فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ مَحْبُوبًا كَانَ كَلاَمُهُ وَحَدِيثُهُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَيْهِ كَمَا قِيلَ:

إِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ حُبِّي

 

فَلِمَ هَجَرْتَ كِتَابِي

أَمَا تَأَمَّلْتَ مَا فِيـ

 

ـهِ مِنْ لَذِيذِ خِطَابِي


الشرح

([1])ينسب البيت للأحوص الأنصاري. ينظر: شعر الأحوص (ص: 145).