فَصْلٌ
وَالْمَحْبُوبُ قِسْمَانِ:
مَحْبُوبٌ لِنَفْسِهِ، وَمَحْبُوبٌ لِغَيْرِهِ. وَالْمَحْبُوبُ لِغَيْرِهِ، لاَ
بُدَّ أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْمَحْبُوبِ لِنَفْسِهِ، دَفْعًا لِلتَّسَلْسُلِ
الْمُحَالِ، وَكُلُّ مَا سِوَى الْمَحْبُوبِ الْحَقِّ فَهُوَ مَحْبُوبٌ لِغَيْرِهِ،
وَلَيْسَ شَيْءٌ يُحَبُّ لِذَاتِهِ إِلاَّ اللَّهَ وَحْدَهُ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ
مِمَّا يُحَبُّ فَإِنَّمَا مَحَبَّتُهُ تَبَعٌ لِمَحَبَّةِ الرَّبِّ تبارك وتعالى
، كَمَحَبَّةِ مَلاَئِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، فَإِنَّهَا تَبَعٌ
لِمَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ، وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ مَحَبَّتِهِ، فَإِنَّ مَحَبَّةَ
الْمَحْبُوبِ تُوجِبُ مَحَبَّةَ مَا يُحِبُّهُ.
وَهَذَا مَوْضِعٌ يَجِبُ
الاِعْتِنَاءُ بِهِ، فَإِنَّهُ مَحَلُّ فُرْقَانٍ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ
النَّافِعَةِ لِغَيْرِهِ، وَالَّتِي لاَ تَنْفَعُ بَلْ قَدْ تَضُرُّ.
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ
يُحَبُّ لِذَاتِهِ إِلاَّ مَنْ كَانَ كَمَالُهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ،
وَإِلَهِيَّتُهُ وَرُبُوبِيَّتُهُ وَغِنَاهُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَمَا
سِوَاهُ فَإِنَّمَا يُبْغَضُ وَيُكْرَهُ لِمُنَافَاتِهِ مَحَابِّهُوَمُضَادَّتِهِ
لَهَا، وَبُغْضُهُ وَكَرَاهَتُهُ بِحَسَبِ قُوَّةِ هَذِهِ الْمُنَافَاةِ
وَضَعْفِهَا، فَمَا كَانَ أَشَدَّ مُنَافَاةً لِمَحَابِّهِ، كَانَ أَشَدَّ
كَرَاهَةً مِنَ الأَْعْيَانِ وَالأَْوْصَافِ وَالأَْفْعَالِ وَالإِْرَادَاتِ
وَغَيْرِهَا.
فَهَذَا مِيزَانٌ عَادِلٌ تُوزَنُ بِهِ مُوَافَقَةُ الرَّبِّ وَمُخَالَفَتُهُ وَمُوَالاَتُهُ وَمُعَادَاتُهُ، فَإِذَا رَأَيْنَا شَخْصًا يُحِبُّ مَا يَكْرَهُهُ الرَّبُّ تَعَالَى وَيَكْرَهُ مَا يُحِبُّهُ، عَلِمْنَا أَنَّ فِيهِ مِنْ مُعَادَاتِهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَإِذَا رَأَيْنَا الشَّخْصَ يُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ الرَّبُّ وَيَكْرَهُ مَا يَكْرَهُهُ، وَكُلَّمَا كَانَ الشَّيْءُ أَحَبَّ إِلَى الرَّبِّ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ وَآثَرَهُ عِنْدَهُ، وَكُلَّمَا كَانَ أَبْغَضَ إِلَيْهِ كَانَ أَبْغَضَ إِلَيْهِ وَأَبْعَدَ مِنْهُ، عَلِمْنَا أَنَّ فِيهِ مِنْ مُوَالاَةِ الرَّبِّ بِحَسَبِ ذَلِكَ.
الصفحة 1 / 375