فَصْلٌ
وَأَمَّا الْخَطَرَاتُ:
فَشَأْنُهَا أَصْعَبُ، فَإِنَّهَا مَبْدَأُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمِنْهَا
تَتَوَلَّدُ الإِْرَادَاتُ وَالْهِمَمُ وَالْعَزَائِمُ، فَمَنْ رَاعَى خَطَرَاتِهِ
مَلَكَ زِمَامَ نَفْسِهِ وَقَهَرَ هَوَاهُ، وَمَنْ غَلَبَتْهُ خَطَرَاتُهُ
فَهَوَاهُ وَنَفْسُهُ لَهُ أَغْلَبُ، وَمَنِ اسْتَهَانَ بِالْخَطَرَاتِ قَادَتْهُ
قَهْرًا إِلَى الْهَلَكَاتِ.
وَلاَ تَزَالُ الْخَطَرَاتُ
تَتَرَدَّدُ عَلَى الْقَلْبِ حَتَّى تَصِيرَ مُنًى بَاطِلَةً: {كَسَرَابِۢ
بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمَۡٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ
يَجِدۡهُ شَيۡٔٗا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ
سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ} [النُّورِ:
39] .
وَأَخَسُّ النَّاسِ هِمَّةً
وَأَوْضَعُهُمْ نَفْسًا، مَنْ رَضِيَ مِنَ الْحَقَائِقِ بِالأَْمَانِي
الْكَاذِبَةِ، وَاسْتَجْلَبَهَا لِنَفْسِهِ وَتَجَلَّى بِهَا، وَهِيَ لَعَمْرُ
اللَّهِ رُءُوسُ أَمْوَالِ الْمُفْلِسِينَ، وَمَتَاجِرُ الْبَطَّالِينَ، وَهِيَ
قُوتُ النَّفْسِ الْفَارِغَةِ، الَّتِي قَدْ قَنَعَتْ مِنَ الْوَصْلِ بِزَوْرَةِ الْخَيَالِ،
وَمِنَ الْحَقَائِقِ بِكَوَاذِبِ الآْمَالِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ ([1]):
مُنًى إِنْ تَكُنْ حَقًّا تَكُنْ
أَحْسَنَ الْمُنَى |
|
وَإِلاَّ فَقَدْ عِشْنَا بِهَا
زَمَنًا رَغْدَا |
وَهِيَ أَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى
الإِْنْسَانِ، وَيَتَوَلَّدُ مِنْهَا الْعَجْزُ وَالْكَسَلُ، وَتُوَلِّدُ
التَّفْرِيطَ وَالْحَسْرَةَوَالنَّدَمَ، وَالْمُتَمَنِّي لَمَّا فَاتَتْهُ
مُبَاشَرَةُ الْحَقِيقَةِ بِجِسْمِهِ حَوَّلَ صُورَتَهَا فِي قَلْبِهِ،
وَعَانَقَهَا وَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَقَنَعَ بِوِصَالِ صُورَةٍ وَهْمِيَّةٍ
خَيَالِيَّةٍ صَوَّرَهَا فِكْرُهُ.
وَذَلِكَ لاَ يُجْدِي عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا مَثَلُهُ مَثَلُ الْجَائِعِ وَالظَّمْآنِ، يُصَوِّرُ فِي وَهْمِهِ صُورَةَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَهُوَ لاَ يَأْكُلُ وَلاَ وَيَشْرَبُ.
الصفحة 1 / 375