×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 فَصْلٌ

إِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَكُلُّ حَيٍّ لَهُ إِرَادَةٌ وَمَحَبَّة وَعَمَلٌ بِحَسَبِهِ، وَكُلُّ مُتَحَرِّكٍ فَأَصْلُ حَرَكَتِهِ: الْمَحَبَّة وَالإِْرَادَةُ، وَلاَ صَلاَحَ لِلْمَوْجُودَاتِ إِلاَّ بِأَنْ تَكُونَ حَرَكَاتُهَا وَمَحَبَّتُهَا لِفَاطِرِهَا وَبَارِئِهَا وَحْدَهُ، كَمَا لاَ وُجُودَ لَهَا إِلاَّ بِإِبْدَاعِهِ وَحْدَهُ.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ} [الأَْنْبِيَاءِ: 22] ، وَلَمْ يَقُلْ سُبْحَانَهُ: لَمَا وُجِدَتَا وَلَكَانَتَا مَعْدُومَتَيْنِ، وَلاَ قَالَ: لَعُدِمَتَا، إِذْ هُوَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُبْقِيَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْفَسَادِ، لَكِنْ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا عَلَى وَجْهِ الصَّلاَحِ وَالاِسْتِقَامَةِ إِلاَّ بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَحْدَهُ هُوَ مَعْبُودَهُمَا، وَمَعْبُودَ مَا حَوَتَاهُ وَسَكَنَ فِيهِمَا.

فَلَوْ كَانَ فِي الْعَالَمِ إِلَهَانِ لَفَسَدَ نِظَامُهُ غَايَةَ الْفَسَادِ، فَإِنَّ كُلَّ إِلَهٍ كَانَ يَطْلُبُ مُغَالَبَةَ الآْخَرِ، وَالْعُلُوَّ عَلَيْهِ، وَتَفَرُّدَهُ دُونَهُ بِإِلَهِيَّتِهِ، إِذِ الشَّرِكَةُ نَقْصٌ فِي كَمَالِ الإِْلَهِيَّةِ، وَالإِْلَهُ لاَ يَرْضَى لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا نَاقِصًا، فَإِنْ قَهَرَ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ كَانَ هُوَ الإِْلَهَ وَحْدَهُ، وَالْمَقْهُورُ لَيْسَ بِإِلَهٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْهَرْ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ لَزِمَ عَجْزُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ تَامَّ الإِْلَهِيَّةِ.

فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَهُمَا إِلَهٌ قَاهِرٌ لَهُمَا حَاكِمٌ عَلَيْهِمَا، وَإِلاَّ ذَهَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا خَلَقَ، وَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْعُلُوَّ عَلَى الآْخَرِ، وَفِي ذَلِكَ فَسَادُ أَمْرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ وَمَنْ فِيهَا، كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ فَسَادِ الْبَلَدِ إِذَا كَانَ فِيهَا مَلِكَانِ مُتَكَافِئَانِ، وَفَسَادِ الزَّوْجَةِ إِذَا كَانَ لَهَا بَعْلاَنِ، وَالشَّوْلِ: إِذَا كَانَ فِيهِ فَحْلاَنِ.


الشرح