وَأَصْلُ فَسَادِ الْعَالَمِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ
اخْتِلاَفِ الْمُلُوكِ وَالْخُلَفَاءِ، وَلِهَذَا لَمْ يَطْمَعْ أَعْدَاءُ
الإِْسْلاَمِفِيهِ فِي زَمَنٍ مِنَ الأَْزْمِنَةِ إِلاَّ فِي زَمَنِ تَعَدُّدِ
الْمُلُوكِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتِلاَفِهِمْ، وَانْفِرَادِ كُلٍّ مِنْهُمْ
بِبِلاَدٍ، وَطَلَبِ بَعْضِهُمُ الْعُلُوَّ عَلَى بَعْضٍ.
فَصَلاَحُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَْرْضِ وَاسْتِقَامَتُهَا، وَانْتِظَامُ أَمْرِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى أَتَمِّ
نِظَامٍ مِنْ أَظْهَرِ الأَْدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ
لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِنْ لَدُنْ عَرْشِهِ إِلَى
قَرَارِ أَرْضِهِ بَاطِلٌ إِلاَّ وَجْهَهُ الأَْعْلَى.
****
الشرح
قَوله تَعالى: { لَوۡ
كَانَ فِيهِمَآ} يَعني: في السَّماواتِ والأرضِ { ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ
لَفَسَدَتَاۚ}؛ لأن الآلهةَ
المُتعدِّدة لا تَتَّفِق على شَيءٍ، كُل له إرادةٌ، وكُل له مُيول، وكُل يَسعى أن
يُنَفِّذ ما يُرِيد، فيَحصل بذلك الخَلَل في الكَوْن. فانتظامُ هذا الكونِ
واتِّسَاقه واستقرارُه دليلٌ على أن مُدبِّره واحدٌ، ولو كانَ يُدبِّره أكثرُ مِن
واحدٍ لفسدَ.
وهذا مِثلما يُشاهد مِن
أحوالِ الناسِ إِذا اشتركُوا في شيءٍ فإنهم لا يَتَّفقون، قالَ تَعالى: { ضَرَبَ ٱللَّهُ
مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ
هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ} [الزمر: 29] ، فالمملوك إذاكانَ له عِدَّة أسيادٍ ما
يَدرِي مَن يُرضِي مِنهم، ولا يَدرِي مَن يُطِيع مِنهم، كُل واحدٍ له رَغبة،
فيَضيع بينَهم، وأما الذِي له مَلِك واحدٌ فهذا يَستريح؛ لأنه يَعرِفُ مَقاصِده
ومَطلوبه، ولا يتعبُ في تَحقيق مَطلوباته.
كذلكَ المُشرِك لما كانَ يَعبُد آلهةً مُتعدِّدة صارَ في عَذابٍ وتَعبٍ، أما المُوحِّد لأنه يَعبُد إلهًا واحدًا يكونُ مُطمئنًا مُرتاحَ البالِ، مُتلذِّذًا بالعِبادة، هذا مَثَلٌ للمُشرِك، ومَثَلٌ للمُوحِّد.