فَصْلٌ
وَيَلِي ذَلِكَ فِي كِبَرِ
الْمَفْسَدَةِ: الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلاَ عِلْمٍ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ
وَأَفْعَالِهِ، وَوَصْفُهُ بِضِدِّ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ
رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم .
فَهَذَا أَشَدُّ شَيْءٍ
مُنَاقَضَةً وَمُنَافَاةً لِكَمَالِ مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَْمْرُ، وَقَدْحٌ
فِي نَفْسِ الرُّبُوبِيَّةِ وَخَصَائِصِ الرَّبِّ.
فَإِنْ صَدَرَ ذَلِكَ عَنْ
عِلْمٍ فَهُوَ عِنَادٌ أَقْبَحُ مِنَ الشِّرْكِ، وَأَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ
اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ الْمُقِرَّ بِصِفَاتِ الرَّبِّ خَيْرٌ مِنَ
الْمُعَطِّلِ الْجَاحِدِ لِصِفَاتِ كَمَالِهِ، كَمَا أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِمَلِكٍ
بِالْمُلْكِ، وَلَمْ يَجْحَدْ مُلْكَهُ وَلاَ الصِّفَاتِ الَّتِي اسْتَحَقَّ بِهَا
الْمُلْكَ، لَكِنْ جَعَلَ مَعَهُ شَرِيكًا فِي بَعْضِ الأُْمُورِ، يُقَرِّبُهُ
إِلَيْهِ، خَيْرٌ مِمَّنْ جَحَدَ صِفَاتِ الْمَلِكِ وَمَا يَكُونُ بِهِ مَلِكًا.
وَهَذَا أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ
فِي سَائِرِ الْفِطَرِ وَالْعُقُولِ. فَأَيْنَ الْقَدْحُ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ
وَالْجَحْدِ لَهَا، مِنْ عِبَادَةِ وَاسِطَةٍ بَيْنَ الْمَعْبُودِ الْحَقِّ
وَبَيْنَ الْعَابِدِ، يَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِعِبَادَةِ تِلْكَ الْوَاسِطَةِ
إِعْظَامًا لَهُ وَإِجْلاَلاً؟فَدَاءُ التَّعْطِيلِ هَذَا الدَّاءُ الْعُضَالُ
الَّذِي لاَ دَوَاءَ لَهُ.
وَلِهَذَا حَكَى اللَّهُ عَنْ إِمَامِ الْمُعَطِّلَةِ فِرْعَوْنَ، أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى مُوسَى مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّ رَبَّهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، فَقَالَ: {وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ يَٰهَٰمَٰنُ ٱبۡنِ لِي صَرۡحٗا لَّعَلِّيٓ أَبۡلُغُ ٱلۡأَسۡبَٰبَ ٣٦ أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ ٣٧} [غَافِرٍ: 36، 37] .
الصفحة 1 / 375