فَصْلٌ
وَالْعَاشِقُ لَهُ ثَلاَثُ
مَقَامَاتٍ: مَقَامُ ابْتِدَاءٍ، وَمَقَامُ تَوَسُّطٍ، وَمَقَامُ انْتِهَاءٍ.
فَأَمَّا مَقَامُ ابْتِدَائِهِ:
قَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ مُدَافَعَتُهُ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، إِذَا
كَانَ الْوُصُولُ إِلَى مَعْشُوقِهِ مُتَعَذِّرًا قَدَرًا وَشَرْعًا.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ
وَأَبَى قَلْبُهُ إِلاَّ السَّفَرَ إِلَى مَحْبُوبِهِ - وَهَذَا مَقَامُ التَّوَسُّطِ
وَالاِنْتِهَاءِ - فَعَلَيْهِ كِتْمَانُهُ ذَلِكَ، وَأَنْ لاَ يُفْشِيَهُ إِلَى
الْخَلْقِ، وَلاَ يَشْمَتَ بِمَحْبُوبِهِ وَيَهْتِكُهُ بَيْنَ النَّاسِ،
فَيَجْمَعُ بَيْنَ الشِّرْكِ وَالظُّلْمِ، فَإِنَّ الظُّلْمَ فِي هَذَا الْبَابِ
مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِالظُّلْمِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَعْظَمَ ضَرَرًا عَلَى الْمَعْشُوقِ
وَأَهْلِهِ مِنْ ظُلْمِهِ فِي مَالِهِ، فَإِنَّهُ يُعَرِّضُ الْمَعْشُوقَ
بِهَتْكِهِ فِي عِشْقِهِ إِلَى وُقُوعِ النَّاسِ فِيهِ، وَانْقِسَامِهِمْ إِلَى
مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَصَدَّقُ فِي هَذَا الْبَابِ
بِأَدْنَى شُبْهَةٍ، وَإِذَا قِيلَ فُلاَنٌ فَعَلَ بِفُلاَنٍ أَوْ بِفُلاَنَةَ،
كَذَّبَهُ وَاحِدٌ وَصَدَّقَهُ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ.
وَخَبَرُ الْعَاشِقِ
الْمُتَهَتِّكِ عِنْدَ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ يُفِيدُ الْقَطْعَ الْيَقِينِيَّ،
بَلْ إِذَا أَخْبَرَهُمُ الْمَفْعُولُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَذِبًا وَافْتِرَاءً
عَلَى غَيْرِهِ جَزَمُوا بِصِدْقِهِ جَزْمًا لاَ يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ، بَلْ لَوْ
جَمَعَهُمَا مَكَانٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا؛ لَجَزَمُوا أَنَّ ذَلِكَ عَنْ وَعْدٍ وَاتِّفَاقٍ
بَيْنَهُمَا، وَجَزْمُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الظُّنُونِ وَالتَّخَيُّلِ
وَالشُّبَهِ وَالأَْوْهَامِ وَالأَْخْبَارِ الْكَاذِبَةِ، كَجَزْمِهِمْ
بِالْحِسِّيَّاتِ الْمُشَاهَدَةِ.
وَبِذَلِكَ وَقَعَ أَهْلُ الإِْفْكِ فِي الطَّيِّبَةِ الْمُطَيَّبَةِ، حَبِيبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، الْمُبَرَّأَةِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، بِشُبْهَةِ مَجِيءِ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ بِهَا
الصفحة 1 / 375