فَصْلُ
وَخَاصِّيَّةُ التَّعَبُّدِ:
الْحُبُّ مَعَ الْخُضُوعِ، وَالذُّلِّ لِلْمَحْبُوبِ، فَمَنْ أَحَبَّ مَحْبُوبًا
وَخَضَعَ لَهُ فَقَدْ تَعَبَّدَ قَلْبَهُ لَهُ، بَلِ التَّعَبُّدُ آخِرُ مَرَاتِبِ
الْحُبِّ، وَيُقَالُ لَهُ التَّتَيُّمُ أَيْضًا، فَإِنَّ أَوَّلَ مَرَاتِبِهِ
الْعَلاَقَةُ، وَسُمِّيَتْ عَلاَقَةً لِتَعَلُّقِ الْمُحِبِّ بِالْمَحْبُوبِ.
قَالَ ([1]) :
وَعُلِّقْتُ لَيْلَى وَهْيَ ذَاتُ
تَمَائِمِ |
|
وَلَمْ يَبْدُ لِلأَْتْرَابِ مِنْ
ثَدْيِهَا حَجْمُ |
وَقَالَ الآْخَرُ ([2]) :
أَعَلاَقَةٌ أُمَّ الْوَلِيدِ بعْدَ
مَا |
|
أَفْنَانُ رَأْسِكَ كَالثِّغَامِ
الْمُخْلِسِ |
ثُمَّ بَعْدَهَا
الصَّبَابَةُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لاِنْصِبَابِ الْقَلْبِ إِلَى الْمَحْبُوبِ.
قَالَ ([3]) :
تَشَكَّى الْمُحِبُّونَ
الصَّبَابَةَ لَيْتَنِي |
|
تَحَمَّلْتُ مَا يَلْقَوْنَ مِنْ بَيْنِهِمْ
وَحْدِي |
فَكَانَتْ لِقَلْبِي لَذَّةُ
الْحُبِّ كُلُّهَا |
|
فَلَمْ يَلْقَهَا قَبْلِي مُحِبٌّ
وَلاَ بَعْدِي |
ثُمَّ الْغَرَامُ، وَهُوَ لُزُومُ الْحُبِّ لِلْقَلْبِ لُزُومًا لاَ يَنْفَكُّ عَنْهُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْغَرِيمُ غَرِيمًا؛ لِمُلاَزَمَتِهِ صَاحِبَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الْفُرْقَانِ: 65] . وَقَدْ أُولِعَ الْمُتَأَخِّرُونَ بِاسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِي الْحُبِّ، وَقَلَّ أَنْ تَجِدَهُ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ.
([1])البيت لمجنون ليلى، ينظر: ديوانه (ص: 186).
الصفحة 1 / 375