فَفَدَى أَضْيَافَهُ
بِبَنَاتِهِ يُزَوِّجُهُمْ بِهِمْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَأَضْيَافِهِ مِنَ
الْعَارِ الشَّدِيدِ، فَقَالَ: { يَٰقَوۡمِ هَٰٓؤُلَآءِ
بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي
ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ}، فَرَدُّوا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ رَدَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ: {قَالُواْ
لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنۡ حَقّٖ وَإِنَّكَ لَتَعۡلَمُ مَا
نُرِيدُ} [هُودٍ: 79] .
فَنَفَثَ نَبِيُّ اللَّهِ
مِنْهُ نَفْثَةَ مَصْدُورٍ خَرَجَتْ مِنْ قَلْبٍ مَكْرُوبٍ، فَقَالَ: {لَوۡ
أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ} [هود: 80] .
فَنَفَّسَ لَهُ رُسُلُ
اللَّهِ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ، وَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُمْ مِمَّنْ لَيْسُوا
يُوصَلُ إِلَيْهِمْ، وَلاَ إِلَيْهِ بِسَبَبِهِمْ، فَلاَ تَخَفْ مِنْهُمْ، وَلاَ
تَعْبَأْ بِهِمْ، وَهَوِّنْ عَلَيْكَ، فَقَالُوا: {يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ
رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ} [هُودٍ: 81] وَبَشَّرُوهُ بِمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْوَعْدِ لَهُ
وَلِقَوْمِهِ مِنَ الْوَعِيدِ الْمُصِيبِ فَقَالُوا: {فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ
بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ
إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ
بِقَرِيبٖ} [هُودٍ: 81] .
فَاسْتَبْطَأَ نَبِيُّ
اللَّهِ مَوْعِدَ هَلاَكِهِمْ، وَقَالَ: أُرِيدُ أَعْجَلَ مِنْ هَذَا، فَقَالَتِ
الْمَلاَئِكَةُ: {أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ
بِقَرِيبٖ} [هود: 81] .
فَوَاللَّهِ مَا كَانَ بَيْنَ إِهْلاَكِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَنَجَاةِ نَبِيِّهِ وَأَوْلِيَائِهِ إِلاَّ مَا بَيْنَ السَّحَرِوَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَإِذَا بِدِيَارِهِمْ قَدِ اقْتُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا، وَرُفِعَتْ نَحْوَ السَّمَاءِ حَتَّى سَمِعَتِ الْمَلاَئِكَةُ نُبَاحَ الْكِلاَبِ وَنَهِيقَ الْحَمِيرِ، فَبَرَزَ الْمَرْسُومُ الَّذِي لاَ يُرَدُّ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ الْجَلِيلِ، إِلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ جِبْرَائِيلَ، بِأَنْ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: { فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٖ} [هُودٍ: 82] .