أذن لهم، فصلوا؛ لأن
هذا دينهم، تفاوضوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ورجعوا، ومنهم من أسلم. على إثر
ذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم لما أبرم العهد معهم، أرسل إليهم أبا عبيدة بن
الجراح رضي الله عنه لقبض الأموال؛ لأنه أمين هذه الأمة رضي الله عنه، وأرسل معاذ
بن جبل رضي الله عنه؛ لأنه فقيه هذه الأمة، أرسله ليعلمهم، ويدعوهم إلى الإسلام،
ويتولى شؤون المسلمين هناك.
فهذا دليل على
التفاوض بين المسلمين وبين الكفار.
كذلك رسل مسيلمة
الكذاب، الذي ادعى النبوة في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أرسل مسيلمة اثنين
إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، استقبلهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ ما
عندهم من الرسالة والكلام، ثم رجعوا إلى مسيلمة.
كذلك رسل الفرس
المجوس جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، تفاوضوا معه، ورجعوا إلى قومهم.
هذا عرف جار، عرف
دولي دبلوماسي، لا تتم المصالح إلا به، هذه مسألة.
المسألة الثانية: أنه ولي أمر
المسلمين، إذا أبرم عهدًا مع الكفار على إيقاف الحرب بين المسلمين والكفار، ثم خاف
منهم الخيانة، فإنه لا يباغتهم بالهجوم عليهم؛ بل قبل ذلك ينهي إليهم عقدهم، يعلن
لهم أنه لا عهد بيننا وبينكم، ويعطيهم مهلة أيضًا-؛ كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن
قَوۡمٍ خِيَانَةٗ فَٱنۢبِذۡ إِلَيۡهِمۡ عَلَىٰ سَوَآءٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ
ٱلۡخَآئِنِينَ﴾ [الأنفال: 58].
فهذا من الوفاء؛ وفاء الإسلام بالعهود، عدم الغدر والخيانة.