×
دروس التفسير في المسجد الحرام الجزء الأول

ولذلك مِنْ رحمة الله جل وعلا أنه لم يترك البشرية منذ أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض، لم يتركها بدون رسول، بل أرسل الرسل تَترى متتابعة لحاجة البشرية إليهم، ومِنْ بعد إبراهيم جعل الله النبوة في ذريته، كما قال جل وعلا﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحٗا وَإِبۡرَٰهِيمَ وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَۖ فَمِنۡهُم مُّهۡتَدٖۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ [الحديد: 26].

وقال في إبراهيم عليه السلام: ﴿وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَ [العنكبوت: 27]، كل نبي جاء بعد إبراهيم عليه السلام فإنه مِنْ ذريته، ولذلك يُسَمَّى أبا الأنبياء وإمامَ الحنفاء؛ لأن الله قال: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ [البقرة: 124]. وهذا مِنْ رحمة الله أنه لم يخلِ البشرية مِنَ الرسل التي تدلهم على طريق الرشاد، وتنهاهم عن طريق الغي؛ ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا [النساء: 165].

فبعد بعثة إبراهيم جعل الله النبوة في ذريته؛ جزاءً له على صبره وثباته على الابتلاء والامتحان، وكانت قبل محمد صلى الله عليه وسلم في ذرية إسحاق؛ لأن إبراهيم له ابنان إسماعيل وإسحاق - عليهم الصلاة والسلام - ولهذا يقول: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلۡكِبَرِ إِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ [إبراهيم: 39].

فالنبوة صارت في ذرية هذين الابنين الكريمين: إسماعيل وإسحاق، فإسحاق ابنه يعقوب الذي هو إسرائيل، وهذا في ذريته أنبياء بني إسرائيل، وآخرهم عيسى ابن مريم ثم بعد عيسى عليه السلام فَتَرت النبوة أكثر من خمسمائة سنة، تسمى الفترةَ؛ قال تعالى: ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةٖ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ فَقَدۡ جَآءَكُم بَشِيرٞ وَنَذِيرٞۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ [المائدة: 19].


الشرح