فَصْلٌ
وَمِنَ الشِّرْكِ بِهِ
سُبْحَانَهُ: الشِّرْكُ بِهِ فِي اللَّفْظِ، كَالْحَلِفِ بِغَيْرِهِ، كَمَا رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ
بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» ([1])، صَحَّحَهُ
الْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ
الْقَائِلِ لِلْمَخْلُوقِ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا شَاءَ اللَّهُ
وَشِئْتَ، فَقَالَ: «أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ قُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ
وَحْدَهُ» ([2]).
هَذَا مَعَ أَنَّ اللَّهَ
قَدْ أَثْبَتَ لِلْعَبْدِ مَشِيئَةً، كَقَوْلِهِ: {لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن
يَسۡتَقِيمَ} [التَّكْوِيرِ:
28] . فَكَيْفَ بِمَنْ يَقُولُ: أَنَا مُتَوَكِّلٌ عَلَى اللَّهِ وَعَلَيْكَ،
وَأَنَا فِي حَسْبِ اللَّهِ وَحَسْبِكَ، وَمَا لِي إِلاَّ اللَّهُ وَأَنْتَ،
وَهَذَا مِنَ اللَّهِ وَمِنْكَ، وَهَذَا مِنْ بَرَكَاتِ اللَّهِ وَبَرَكَاتِكَ،
وَاللَّهُ لِي فِي السَّمَاءِ وَأَنْتَ فِي الأَْرْضِ، أَوْ يَقُولُ: وَاللَّهِ،
وَحَيَاةِ فُلاَنٍ، أَوْ يَقُولُ: نَذْرًا لِلَّهِ وَلِفُلاَنٍ، وَأَنَا تَائِبٌ
لِلَّهِ وَلِفُلاَنٍ، أَوْ أَرْجُو اللَّهَ وَفُلاَنًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ؟.
فَوَازِنْ بَيْنَ هَذِهِ الأَْلْفَاظِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ. ثُمَّ انْظُرْ أَيُّهُمَا أَفْحَشُ، يَتَبَيَّنْ لَكَ أَنَّ قَائِلَهَا أَوْلَى بِجَوَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَائِلِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ جَعَلَهُ نِدًّا لِلَّهِ بِهَا، فَهَذَا قَدْ جَعَلَ مَنْ لاَ يُدَانِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَيْءٍ مِنَ الأَْشْيَاءِ - بَلْ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْدَائِهِ - نِدًّا لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.