فَصْلٌ
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ
الْمُقَدِّمَةَ انْفَتَحَ لَكَ بَابُ الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ الْمَذْكُورِ،
فَنَقُولُ، وَمِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ نَسْتَمِدُّ الصَّوَابَ:
حَقِيقَةُ الشِّرْكِ: هُوَ
التَّشَبُّهُ بِالْخَالِقِ وَتَشْبِيهُ الْمَخْلُوقِ بِهِ، هَذَا هُوَ
التَّشْبِيهُ فِي الْحَقِيقَةِ، لاَ إِثْبَاتُ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي وَصَفَ
اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهَا رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم . فَعَكَسَ
مَنْ نَكَسَ اللَّهُ قَلَبَهُ وَأَعْمَى بَصِيرَتَهُ وَأَرْكَسَهُ بِكَسْبِهِ،
وَجَعَلَ التَّوْحِيدَ تَشْبِيهًا وَالتَّشْبِيهَ تَعْظِيمًا وَطَاعَةً.
فَالْمُشْرِكُ مُشَبِّهٌ
لِلْمَخْلُوقِ بِالْخَالِقِ فِي خَصَائِصِ الإِْلَهِيَّةِ. فَإِنَّ مِنْ خَصَائِصِ
الإِْلَهِيَّةِ: التَّفَرُّدَ بِمِلْكِ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ وَالْعَطَاءِ
وَالْمَنْعِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ تَعْلِيقَ الدُّعَاءِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ
وَالتَّوَكُّلِ بِهِ وَحْدَهُ، فَمَنْ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَخْلُوقٍ فَقَدْ
شَبَّهَهُ بِالْخَالِقِ، وَجَعَلَ مَنْ لاَ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلاَ
نَفْعًا، وَلاَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورًا، فَضْلاً عَنْ غَيْرِهِ -
شَبِيهًا بِمَنْ لَهُ الأَْمْرُ كُلُّهُ.
فَأَزِمَّةُ الأُْمُورِ
كُلِّهَا بِيَدَيْهِ، وَمَرْجِعُهَا إِلَيْهِ، فَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ
لَمْ يَكُنْ، لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، بَلْ إِذَا
فَتَحَ لِعَبْدِهِ بَابَ رَحْمَتِهِ لَمْ يُمْسِكْهَا أَحَدٌ، وَإِنْ أَمْسَكَهَا
عَنْهُ لَمْ يُرْسِلْهَا إِلَيْهِ أَحَدٌ. فَمِنْ أَقْبَحِ التَّشْبِيهِ:
تَشْبِيهُ هَذَا الْعَاجِزِ الْفَقِيرِ بِالذَّاتِ بِالْقَادِرِ الْغَنِيِّ
بِالذَّاتِ.
وَمِنْ خَصَائِصِ الإِْلَهِيَّةِ: الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، الَّذِي لاَ نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ كُلُّهَا لَهُ وَحْدَهُ، وَالتَّعْظِيمُ وَالإِْجْلاَلُ، وَالْخَشْيَةُ، وَالدُّعَاءُ، وَالرَّجَاءُ وَالإِْنَابَةُ وَالتَّوْبَةُ وَالتَّوَكُّلُ وَالاِسْتِعَانَةُ، وَغَايَةُ الذُّلِّ مَعَ غَايَةِ الْحُبِّ؛
الصفحة 1 / 375