كُلُّ ذَلِكَ يَجِبُ عَقْلاً
وَشَرْعًا وَفِطْرَةً أَنْ يَكُونَ لَهُ وَحْدَهُ، وَيَمْتَنِعُ عَقْلاً وَشَرْعًا
وَفِطْرَةً أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ، فَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
لِغَيْرِهِ فَقَدْ شَبَّهَ ذَلِكَ الْغَيْرَ بِمَنْ لاَ شَبِيهَ لَهُ وَلاَ
مَثِيلَ وَلاَ نِدَّ لَهُ، وَذَلِكَ أَقْبَحُ التَّشْبِيهِ وَأَبْطَلُهُ، وَلِشِدَّةِ
قُبْحِهِ وَتَضَمُّنِهِ غَايَةَ الظُّلْمِ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ أَنَّهُ
لاَ يَغْفِرُهُ، مَعَ أَنَّهُ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ.
وَمِنْ خَصَائِصِ
الإِْلَهِيَّةِ: الْعُبُودِيَّةُ الَّتِي قَامَتْ عَلَى سَاقَيْنِ لاَ قِوَامَ
لَهَا بِدُونِهِمَا: غَايَةِ الْحُبِّ، مَعَ غَايَةِ الذُّلِّ. هَذَا تَمَامُ
الْعُبُودِيَّةِ، وَتَفَاوُتُ مَنَازِلِ الْخَلْقِ فِيهَا بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ
فِي هَذَيْنِ الأَْصْلَيْنِ.
فَمَنْ أَعْطَى حُبَّهُ
وَذُلَّهُ وَخُضُوعَهُ لِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ شَبَّهَهُ بِهِ فِي خَالِصِ
حَقِّهِ، وَهَذَا مِنَ الْمُحَالِ أَنْ تَجِيءَ بِهِ شَرِيعَةٌ مِنَ الشَّرَائِعِ،
وَقُبْحُهُ مُسْتَقِرٌّ فِي كُلِّ فِطْرَةٍ وَعَقْلٍ، وَلَكِنْ
غَيَّرَتِالشَّيَاطِينُ فِطَرَ الْخَلْقِ وَعُقُولَهُمْ، وَأَفْسَدَتْهَا
عَلَيْهِمْ، وَاجْتَالَتْهُمْ عَنْهَا، وَمَضَى عَلَى الْفِطْرَةِ الأُْولَى مَنْ
سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَى، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ،
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ بِمَا يُوَافِقُ فِطَرَهُمْ وَعُقُولَهُمْ،
فَازْدَادُوا بِذَلِكَ نُورًا عَلَى نُورٍ، { يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ
مَن يَشَآءُۚ} [النُّورِ: 35] .
****
الشرح
قولُه: «حقيقة الشِّرْكِ: هو التَّشَبُّهُ بالخالقِ
وتَشَبُّهث المخلوقِ به» يعني: مشاركةُ الخالقِ بشيءٍ من خصائٍصٍه، أَوْ
تَشْرِيْكُ غيرِه معه فيها.
وقولُه: «لا إِثْبَاتَ صفاتِ الكمالِ التي وَصَفَ اللهُ بِها نفسَه» هذا ردٌّ على المُعطِّلة الذين يقولون: الشِّرْكُ هو إِثْباتُ الصِّفات!. وهذا من المغالطة، فإِثْباتُ الصِّفات للهِ تبارك وتعالى توحيدٌ وليس شِرْكاً، لكنَّهم يُسَمُّونَهُ شِرْكاً من بابِ التَّنْفِيْرِ منه، ويقولون: إِنَّ الصِّفاتِ تُشَارِكُ اللهَ في القِدَمِ والأَزْلِيَّةِ،