في قولِه: { عَلَيۡهِمۡ
دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ
جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا }.
وكذلك النُّفَاةُ
ومُعَطِّلَةُ صفاتِ اللهِ سبحانه وتعالى ، أَهْلَكَهُمُ اللهُ بظنِّهم: {وَذَٰلِكُمۡ
ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} [فصلت: 23] ، يعني:
أَهْلَكَكُمْ حيثُ جَحَدُوا علمَ اللهِ عز وجل بِهم، فدلَّ على أَنَّ سُوءَ
الظَّنِّ باللهِ من أَعْظمِ الذُّنوب.
وكذلك من أَشْرَكَ به فقَدْ
ظنَّ به ظنَّ السُّوءِ، كما قال إِبْرَاهِيْمُ عليه السلام لقومه: {فَمَا
ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} [الصافات: 87] ، هذا إِنْكارٌ، أَيْ: ما هذا الظَّنُّ
الذي ظننتموه بربِّ العالمين حيث عبدتك معه غيره؟!
فالمُشْرِكُ حين يظنُّ أَنَّ
اللهَ جل وعلا لا يستجيب له إِلاَّ إِذَا اتَّخَذَ واسطةً أَوْ شفيعاً، قد أَسَاءَ
الظَّنَّ باللهِ عز وجل الذي يغفر الذُّنُوبَ جميعاً لمن تَابَ إِلَيه، ويستجيب
الدُّعاءَ بلا واسطةٍ ولا شفيعٍ.
وقولُه: «وهذا بخلاف الملوكِ وغيرِهم من
الرُّؤَسَاءِ»؛ لأَنَّ اتِّخاذَ الوُسَطاءَ والشُّفعاءَ عند الملوكِ هذا
أَمْرٌ لا بدَّ منه، فأَنْتَ لا تصلُ إِلَى الملك، ولا يعرفك الملكُ، أَوْ يعرفك
لكنَّه لن يقضيَ لك حاجتَك إِلاَّ بواحدٍ من خاصَّتِه يُؤَثِّرُ عليه ويستعطفه،
أَمَّا اللهُ تبارك وتعالى فهو مُنَزَّهٌ عن ذلك، فهو أَعْلمُ بخَلْقِه، وهو
أَقْدَرُ على نفعِ خلقِه، وأَرْحَمُ بخَلْقِه من الوُسطاءِ والشُّفعاءِ.
والمُشْكِلَةُ أَنَّ هؤُلاءِ الذين يتَّخذون الوُسطاءَ والشُّفعاءَ يعتبرون أَنَّ هذا تعظيمٌ لله، ويقولون: لا تدعوه مباشرةً، ولا تطلب حاجتَك منه مباشرةً، بلْ قَدِّمْ شفيعاً أَوْ واسطةً بَيْنَك وبَيْنَه، من بابِ التَّعظيمِ له بزَعْمِهم، فقاسوه على ملوكِ الدُّنْيَا، فوَقَعُوا في التَّشْبيه حيث شبَّهوه بالمخلوقين والعياذُ باللهِ، وظنُّوا باللهِ ظنَّ السُّوءِ.