×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 الثَّاني: ظُلْمٌ بينَ العبدِ وبينَ النَّاس، بأَنْ يتعدَّى عليهم، ويَأْخُذُ أَمْوالَهم، ويَقْتُلُهم، ويضربُهم، ويتعدَّى على أَعْراضِهم بالغِيْبَةِ والنَّميمةِ أَوْ بالزِّنَا. وهذا لا يغفره اللهُ إِلاَّ بعدَ عَفْوِ أَصْحابِه المظلومين، وإِلاَّ فإِنَّه يقتصُّ للمظلومين من الظَّالمِ، فتوبتُه لا تسقط عنه حقوقُ النَّاس.

الثَّالثُ: ظلمُ العَبْدِ لنفسِه، وذلك بالمعاصي، وهذا تحتَ المَشِيْئَةِ، إِنْ شاءَ اللهُ غَفَرَهُ وإِنْ شَاءَ عذَّب صاحبَه.

ولهذا نَهَى اللهُ جل وعلا عن الظُّلْمِ، وقال - كما في الحديثِ القُدْسيِّ - : «يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وجَعَلْتُه بَيْنَكُم مُحَرَّماً، فَلاَ تَظَالَمُوا» ([1]). والظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ { وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعۡمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَۚ} [إبراهيم: 42] .

وقولُه: «فقَتَلَهُ - خَشْيَةَ أَنْ يُشارِكَه في مَطْعَمِه ومَشْرَبِه ومَالِه - من أَقْبح الظُّلْمِ وأَشدِّه» كما كانوا في الجاهلية يقتلون أَوْلادَهم خَشْيَةَ الفقرِ، قال تعالى: {وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ خَشۡيَةَ إِمۡلَٰقٖۖ } [الإسراء: 31] يعني: الفقرَ: {نَّحۡنُ نَرۡزُقُهُمۡ وَإِيَّاكُمۡۚ} [الإسراء: 31] ، وفي آية الأنعام: { نَّحۡنُ نَرۡزُقُكُمۡ وَإِيَّاهُمۡۖ } [الأنعام: 151] ، فهم كانوا يقتلونهم خشيةَ الفقر. والآْنَ يريدون أَنْ يُحدِّدُوا النَّسْلَ خشيةَ الفقرِ، فهذا شبيهٌ بفِعْلِ الجاهليَّة، وسوءُ ظنِّ باللهِ عز وجل .

فقد كانوا في الجاهليَّة يقتلون أَوْلادَهم خشيةَ الفقرِ، ومنهم من كان يقتل أَوْلادَه تقرُّباً إِلَى الأَصْنام: {وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ قَتۡلَ أَوۡلَٰدِهِمۡ شُرَكَآؤُهُمۡ لِيُرۡدُوهُمۡ وَلِيَلۡبِسُواْ عَلَيۡهِمۡ دِينَهُمۡۖ} [الأنعام: 137] ، ومنهم من يقتل البَنَاتِ خشيةَ العَارِ، ويدفنهونهنَّ حيَّاتٍ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ ٥٨يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ ٥٩} [النحل: 58، 59] ،


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (2577).