×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَالِ: فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ إِلَى الْوَارِثِ بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهِ فِي الآْخِرَةِ، كَمَا بَرِئَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْمُطَالَبَةُ لِمَنْ ظَلَمَهُ بِأَخْذِهِ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ لَمْ يَسْتَدْرِكْ ظُلاَمَتَهُ بِأَخْذِ وَارِثِهِ لَهُ، فَإِنَّهُ مَنَعَهُ مِنِ انْتِفَاعِهِ بِهِ فِي طُولِ حَيَاتِهِ، وَمَاتَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ، وَهَذَا ظُلْمٌ لَمْ يَسْتَدْرِكْهُ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ بِاسْتِدْرَاكِهِ.

وَبَنَوْا عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوِ انْتَقَلَ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ، وَتَعَدَّدَ الْوَرَثَةُ، كَانَتِ الْمُطَالِبَةُ لِلْجَمِيعِ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِنْدَ كَوْنِهِ هُوَ الْوَارِثَ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ.

وَفَصَلَ شَيْخُنَا رحمه الله بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَقَالَ: إِنْ تَمَكَّنَ الْمَوْرُوثُ مِنْ أَخْذِ مَالِهِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهِ فَلَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى مَاتَ، صَارَتِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ لِلْوَارِثِ فِي الآْخِرَةِ، كَمَا هِيَ كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ طَلَبِهِ وَأَخْذِهِ، بَلْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَالطَّلَبُ لَهُ فِي الآْخِرَةِ.

وَهَذَا التَّفْصِيلُ مِنْ أَحْسَنِ مَا يُقَالُ، فَإِنَّ الْمَالَ إِذَا اسْتَهْلَكَهُ الظَّالِمُ عَلَى الْمَوْرُوثِ، وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْهُ، صَارَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهِ الَّذِي قَتَلَهُ قَاتِلٌ، وَدَارِهِ الَّتِي أَحْرَقَهَا غَيْرُهُ، وَطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ الَّذِي أَكَلَهُ وَشَرِبَهُ غَيْرُهُ، وَمِثْلُ هَذَا إِنَّمَا تَلِفَ عَلَى الْمَوْرُوثِ لاَ عَلَى الْوَارِثِ، فَحَقُّ الْمُطَالَبَةِ لِمَنْ تَلِفَ عَلَى مِلْكِهِ.

وَيَبْقَى أَنْ يُقَالَ: فَإِذَا كَانَ الْمَالُ عَقَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ أَعْيَانًا قَائِمَةً بَاقِيَةً بَعْدَ الْمَوْتِ فَهِيَ مِلْكُ الْوَارِثِ يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ دَفْعُهَا إِلَيْهِ كُلَّ وَقْتٍ،


الشرح