فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ أَعْيَانَ
مَالِهِ اسْتَحَقَّ الْمُطَالَبَةَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا
يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهَا فِي الدُّنْيَا.
وَهَذَا سُؤَالٌ قَوِيٌّ لاَ
مَخْلَصَ مِنْهُ إِلاَّ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُطَالِبَةُ لَهُمَا جَمِيعًا، كَمَا
لَوْ غَصَبَ مَالاً مُشْتَرَكًا بَيْنَ جَمَاعَةٍ؛ اسْتَحَقَّ كُلٌّ مِنْهُمُ الْمُطَالَبَةَ
لِحَقِّهِ مِنْهُ، كَمَا لَوِ اسْتَوْلَى عَلَى وَقْفٍ مُرَتَّبٍ عَلَى بُطُونٍ،
فَأَبْطَلَ حَقَّ الْبُطُونِ كُلِّهِمْ مِنْهُ، كَانَتِ الْمُطَالَبَةُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ لِجَمِيعِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِهَا مِنْ بَعْضٍ،
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
****
الشرح
الظُّلم في المالِ يَبْرَأ
مِنه الغاصِب إذا أدَّاه إلى صَاحبه قبلَ مَماته، أمَّا إذا أدَّاه إلى الوارثِ
فعَلى قَولين، قِيل: يَبرأ، وقِيل: لا يَبرأ.
وقوله: «وَفَصَلَ شَيْخُنَا» يعني: شيخَ
الإسلامِ ابنَ تيميةَ، فصلَ رحمه الله في هذه المَسألة بينَ القَولين، وقالَ: إن
كانَ امتناعُ المَظلوم مِن أخذِ مالِه في الدنيَا إهمالاً مِنه وتَساهلاً، ثم
ماتَ، فهو حَقٌّ باقٍ للوارثِ يُطالب به يومَ القِيامة إن لم يَأخذه في الدنيَا،
وأما إذا مُنِع المظلومُ منه وحِيل بينه وبينَ أخذِه ظلمًا وعدوانًا، فهذا لا شكَّ
باقٍ على الظالمِ يأخُذه مِنه في الآخرةِ.
وقوله: «وَمِثْلُ هَذَا إِنَّمَا تَلِفَ عَلَى
الْمَوْرُوثِ لاَ عَلَى الْوَارِثِ» يعني: إذا غصبَ مالاً أو ظلمَ مالاً بغيرِ
حقٍّ، ثم ماتَ صاحبُه ولم يَرُدّه عَليه، ولم يَرُدّه عَلى الوارثِ، فحَق
المُطالبة به في الآخرةِ هَل هُو للوارثِ أو للمَوْرُوث؟ قالَ: «فَحَقُّ الْمُطَالَبَةِ لِمَنْ تَلِفَ عَلَى
مِلْكِهِ» أي: هو حَقٌّ باقٍ للمَوْرُوث يُطالب به الغاصِب يومَ القِيامة.
***
الصفحة 8 / 375