×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

وَفِي هَذَا قِيلَ: الصَّبْرُ عَلَى غَضِّ الْبَصَرِ أَيْسَرُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى أَلَمِ مَا بَعْدَهُ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

كُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ

 

وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ

كَمْ نَظْرَةٌ بَلَغَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا

 

كَمَبْلَغِ السَّهْمِ بَيْنَ الْقَوْسِ وَالْوَتَرِ

وَالْعَبْدُ مَا دَامَ ذَا طَرْفٍ يُقَلِّبُهُ

 

فِي أَعْيُنِ الْعِينِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْخَطَرِ

يَسُرُّ مُقْلَتَهُ مَا ضَرَّ مُهْجَتَهُ

 

لاَ مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ

وَمِنْ آفَاتِ النَّظَرِ: أَنَّهُ يُورِثُ الْحَسَرَاتِ وَالزَّفَرَاتِ وَالْحَرَقَاتِ، فَيَرَى الْعَبْدُ مَا لَيْسَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَلاَ صَابِرًا عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْعَذَابِ، أَنْ تَرَى مَا لاَ صَبْرَ لَكَ عَنْ بَعْضِهِ، وَلاَ قُدْرَةَ عَلَى بَعْضِهِ.

قَالَ الشَّاعِرُ:

وَكُنْتُ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا

 

لِقَلْبِكَ يَوْمًا أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِرُ

رَأَيْتَ الَّذِي لاَ كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ

 

عَلَيْهِ وَلاَ عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ

وَهَذَا الْبَيْتُ يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ، وَمُرَادُهُ: أَنَّكَ تَرَى مَا لاَ تَصْبِرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَلاَ تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: «لاَ كُلُّهُ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ» نَفْيٌ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْكُلِّ الَّذِي لاَ يَنْتَفِي إِلاَّ بِنَفْيِ الْقُدْرَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ.

وَكَمْ مَنْ أَرْسَلَ لَحَظَاتِهِ فَمَا قَلَعَتْ إِلاَّ وَهُوَ يَتَشَحَّطُ بَيْنَهُنَّ قَتِيلاً، كَمَا قِيلَ:

يَا نَاظِرًا مَا أَقْلَعَتْ لَحَظَاتُهُ

 

حَتَّى تَشَحَّطَ بَيْنَهُنَّ قَتِيلاَ

وَلِي مِنْ أَبْيَاتٍ:

مَلَّ السَّلاَمَةَ فَاغْتَدَتْ لَحَظَاتُهُ

 

وَقْفًا عَلَى طَلَلٍ يَظُنُّ جَمِيلاً

مَا زَالَ يُتْبِعُ إِثْرَهُ لَحَظَاتِهِ

 

حَتَّى تَشَحَّطَ بَيْنَهُنَّ قَتِيلاً


الشرح