وَمِنَ الْعَجَبِ: أَنَّ لَحْظَةَ النَّاظِرِ
سَهْمٌ لاَ يَصِلُ إِلَى الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ حَتَّى يَتَبَوَّأَ مَكَانًا مِنْ
قَلْبِ النَّاظِرِ، وَلِي مِنْ قَصِيدَةٍ:
يَا رَامِيًا بِسِهَامِ اللَّحْظِ
مُجْتَهِدًا |
|
أَنْتَ الْقَتِيلُ بِمَا تَرْمِي
فَلاَ تُصِبِ |
وبَاعِثَ الطَّرْفِ يَرْتَادُ
الشِّفَاءَ لَهُ |
|
احْبِسْ رَسُولَكَ لاَ يَأْتِيكَ
بِالْعَطَبِ |
وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ:
أَنَّ النَّظْرَةَ تَجْرَحُ الْقَلْبَ جُرْحًا، فَيَتْبَعُهَا جُرْحٌ عَلَى
جُرْحٍ، ثُمَّ لاَ يَمْنَعُهُ أَلَمُ الْجِرَاحَةِ مِنِ اسْتِدْعَاءِ
تَكْرَارِهَا.
وَلِي أَيْضًا فِي هَذَا
الْمَعْنَى:
مَا زِلْتَ تُتْبِعُ نَظْرَةً فِي
نَظْرَةٍ |
|
فِي إِثْرِ كُلِّ مَلِيحَةٍ
وَمَلِيحِ |
وَتَظُنُّ ذَاكَ دَوَاءَ جُرْحِكَ
وَهُوَ فِي الْتَـ |
|
ـحْقِيقِ تَجْرِيحٌ عَلَى تَجْرِيحِ |
فَذَبَحْتَ طَرْفَكَ بِاللِّحَاظِ
وَبِالْبُكَا |
|
فَالْقَلْبُ مِنْكَ ذَبِيحٌ أَيُّ
ذَبِيحِ |
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ حَبْسَ
اللَّحَظَاتِ أَيْسَرُ مِنْ دَوَامِ الْحَسَرَاتِ.
****
الشرح
قَوله صلى الله عليه
وسلم : «فَإِنَّمَا لَكَ الأُولَى»
التِي من غَير قَصدٍ، وهي نظرُ الفَجأة، فإذا وقعَ نظرُك على امرأةٍ فَجأةً، فهذه
النظرةُ يُعفَى عنها، لكِن إذا قصدتَ وأعدتَ النظرَ فهُنا تُؤاخَذ.
وقَولُه صلى الله
عليه وسلم : «أَوْرَثَ اللَّهُ قَلْبَهُ
حَلاَوَةً إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ»، يَعني: مِن فَوائد غَضِّ البصرِ أن اللهَ
يُنوِّر قلبَ عبدِه ويُزكِّيه.
وقوله: «وَمِنْ آفَاتِ النَّظَرِ: أَنَّهُ يُورِثُ الْحَسَرَاتِ وَالزَّفَرَاتِ وَالْحَرَقَاتِ» هذه أيضًا مُصِيبة؛ لأنك تَنظُر إلى شيءٍ لستَ تُحصِّله، فيُورِّث في نَفسك حسرةً عليه، ولو أنك غضضتَ بصرَك ما تعلَّق قلبُك به، ولا حصلَ منك تَأسُّف عليه.