قَالُوا: وَلأَِنَّهُ لاَ
يُسَمَّى زَانِيًا لُغَةً وَلاَ شَرْعًا وَلاَ عُرْفًا، فَلاَ يَدْخُلُ فِي
النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى حَدِّ الزَّانِينَ.
قَالُوا: وَلأنا رَأَيْنَا
قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ، أَنَّ الْمَعْصِيَةَ إِذَا كَانَ الْوَازِعُ عَنْهَا
طَبِيعِيًّا اكْتُفِيَ بِذَلِكَ الْوَازِعِ مِنَ الْحَدِّ، وَإِذَا كَانَ فِي الطِّبَاعِ
تَقَاضِيهَا، جُعِلَ فِي الْحَدِّ بِحَسَبِ اقْتِضَاءِ الطِّبَاعِ لَهَا،
وَلِهَذَا جُعِلَ الْحَدُّ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ دُونَ
أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ.
قَالُوا: وَطَرْدُ هَذَا
أَنَّهُ لاَ حَدَّ فِي وَطْءِ الْبَهِيمَةِ وَلاَ الْمَيِّتَةِ، وَقَدْ جَبَلَ
اللَّهُ سُبْحَانَهُ الطِّبَاعَ عَلَى النَّفْرَةِ مِنْ وَطْءِ الرَّجُلِ رَجُلاً
مِثْلَهُ أَشَدَّ نَفْرَةٍ، كَمَا جَبَلَهَا عَلَى النَّفْرَةِ مِنَ اسْتِدْعَاءِ
الرَّجُلِ مَنْ يَطَؤُهُ بِخِلاَفِ الزِّنَا، فَإِنَّ الدَّاعِيَ فِيهِ مِنَ
الْجَانِبَيْنِ.
قَالُوا: وَلأَِنَّ أَحَدَ
النَّوْعَيْنِ إِذَا اسْتَمْتَعَ بِشَكْلِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، كَمَا
تَسَاحَقَتِ الْمَرْأَتَانِ وَاسْتَمْتَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالأُْخْرَى.
قَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ
الأَْوَّلِ - وَهُوَ جُمْهُورُ الأُْمَّةِ، وَحَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إِجْمَاعًا
لِلصَّحَابَةِ - : لَيْسَ فِي الْمَعَاصِي أَعْظَمُ مَفْسَدَةً مِنْ هَذِهِ
الْمَفْسَدَةِ، وَهِيَ تَلِي مَفْسَدَةَ الْكُفْرِ، وَرُبَّمَا كَانَتْ أَعْظَمَ
مِنْ مَفْسَدَةِ الْقَتْلِ - كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - .
قَالُوا: وَلَمْ يَبْتَلِ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْكَبِيرَةِ قَبْلَ قَوْمِ لُوطٍ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَعَاقَبَهُمْ عُقُوبَةً لَمْ يُعَاقِبْ بِهَا أَحَدًا غَيْرَهُمْ، وَجَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ بَيْنَ الإِْهْلاَكِ، وَقَلْبِ دِيَارِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَالْخَسْفِ بِهِمْ، وَرَجْمِهِمْ بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ، فَنَكَّلَ بِهِمْ نَكَالاً لَمْ يُنَكِّلْهُ أُمَّةً سِوَاهُمْ، وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَفْسَدَةِ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ الَّتِي تَكَادُ الأَْرْضُ تَمِيدُ مِنْ جَوَانِبِهَا إِذَا عُمِلَتْ عَلَيْهَا، وَتَهْرُبُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ