الثَّانِي: اشْتِغَالُ
الْقَلْبِ بِمَا يَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوُقُوعِ
فِيهِ، وَهُوَ إِمَّا خَوْفٌ مُقْلِقٌ أَوْ حُبٌّ مُزْعِجٌ، فَمَتَى خَلاَ
الْقَلْبُ مِنْ خَوْفِ مَا فَوَاتُهُ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ حُصُولِ هَذَا
الْمَحْبُوبِ، أَوْ خَوْفِ مَا حُصُولُهُ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا
الْمَحْبُوبِ، أَوْ مَحَبَّتِهِ مَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَخَيْرٌ لَهُ مِنْ هَذَا
الْمَحْبُوبِ، وَفَوَاتُهُ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ،
لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ عِشْقِ الصُّوَرِ.
وَشَرْحُ هَذَا: أَنَّ
النَّفْسَ لاَ تَتْرُكُ مَحْبُوبًا إِلاَّ لِمَحْبُوبٍ أَعْلَى مِنْهُ، أَوْ
خَشْيَةَ مَكْرُوهٍ حُصُولُهُ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ هَذَا الْمَحْبُوبِ،
وَهَذَا يَحْتَاجُ صَاحِبُهُ إِلَى أَمْرَيْنِ إِنْ فَقَدَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا
لَمْ يَنْتَفِعْ بِنَفْسِهِ.
أَحَدُهُمَا: بَصِيرَةٌ
صَحِيحَةٌ يُفَرِّقُ بِهَا بَيْنَ دَرَجَاتِ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ،
فَيُؤْثِرُ أَعْلَى الْمَحْبُوبَيْنِ عَلَى أَدْنَاهُمَا، وَيَحْتَمِلُ أَدْنَى
الْمَكْرُوهَيْنِ لِيَخْلُصَ مِنْ أَعْلاَهُمَا، وَهَذَا خَاصَّةُ الْعَقْلِ،
وَلاَ يُعَدُّ عَاقِلاً مَنْ كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ، بَلْ قَدْ تَكُونُ الْبَهَائِمُ
أَحْسَنَ حَالاً مِنْهُ.
الثَّانِي: قُوَّةُ عَزْمٍ
وَصَبْرٍ يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَكَثِيرًا مَا
يَعْرِفُ الرَّجُلُ قَدْرَ التَّفَاوُتِ، وَلَكِنْ يَأْبَى لَهُ ضَعْفُ نَفْسِهِ
وَهَمَّتِهِ وَعَزِيمَتِهِ عَلَى أَشْيَاءَ لاَ تَنْفَعُ مِنْ خِسَّتِهِ وَحِرْصِهِ
وَوَضَاعَةِ نَفْسِهِ وَخِسَّةِ هِمَّتِهِ، وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَنْتَفِعُ
بِنَفْسِهِ، وَلاَ يَنْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ.
وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِمَامَةَ الدِّينِ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ الصَّبْرِ وَالْيَقِينِ، فَقالَ تَعالى - وَبِقَوْلِهِ يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ - : {وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ} [السَّجْدَةِ: 24] .