وَكِلاَهُمَا يَسِيرٌ عَلَى
مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمُتَعَذِّرٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُعِنْهُ
اللَّهُ، فَإِنَّ أَزِمَّةَ الأُْمُورِ بِيَدَيْهِ.
فَأَمَّا الطَّرِيقُ
الْمَانِعُ مِنْ حُصُولِ هَذَا الدَّاءِ، فَأَمْرَانِ:
غَضُّ الْبَصَرِ - كَمَا
تَقَدَّمَ - فَإِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، وَمَنْ
أَطْلَقَ لَحَظَاتِهِ دَامَتْ حَسَرَاتُهُ. وَفِي غَضِّ الْبَصَرِ عِدَّةُ
مَنَافِعَ، وهو بعض أجزاء هذا الدواء النافع:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ امْتِثَالٌ
لأَِمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ
وَمَعَادِهِ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ أَنْفَعُ مِنَ
امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَمَا شَقِيَ مَنْ شَقِيَ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ
إِلاَّ بِتَضْيِيعِ أَوَامِرِهِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ
يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ أَثَرِ السَّهْمِ الْمَسْمُومِ - الَّذِي لَعَلَّ فِيهِ
هَلاَكَهُ - إِلَى قَلْبِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ
يُورِثُ الْقَلْبَ أُنْسًا بِاللَّهِ وَجَمْعِيَّةً عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِطْلاَقَ
الْبَصَرِ يُفَرِّقُ الْقَلْبَ وَيُشَتِّتُهُ، وَيُبْعِدُهُ عَنِ اللَّهِ،
وَلَيْسَ عَلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ أَضَرُّ مِنْ إِطْلاَقِ الْبَصَرِ، فَإِنَّهُ
يُورِثُ الْوَحْشَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ
يُقَوِّي الْقَلْبَ وَيُفْرِحُهُ، كَمَا أَنَّ إِطْلاَقَ الْبَصَرِ يُضْعِفُهُ
وَيُحْزِنُهُ.
الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ
يُكْسِبُ الْقَلْبَ نُورًا، كَمَا أَنَّ إِطْلاَقَهُ يُلْبِسُهُ ظُلْمَةً.
وَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آيَةَ النُّورِ عُقَيْبَ الأَْمْرِ بِغَضِّ الْبَصَرِ، فَقَالَ: { قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ} [النُّورِ: 30] . ثُمَّ قَالَ إِثْرَ ذَلِكَ: { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةٖ فِيهَا مِصۡبَاحٌۖ } [النُّورِ: 35] . أَيْ مَثَلُ نُورِهِ فِي قَلْبِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي امْتَثَلَ أَوَامِرَهُ وَاجْتَنَبَ نَوَاهِيَهُ.