وَإِذَا اسْتَنَارَ
الْقَلْبُ أَقْبَلَتْ وُفُودُ الْخَيْرَاتِ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، كَمَا
أَنَّهُ إِذَا أَظْلَمَ أَقْبَلَتْ سَحَائِبُ الْبَلاَءِ وَالشَّرِّ عَلَيْهِ مِنْ
كُلِّ مَكَانٍ، فَمَا شِئْتَ مِنْ بِدَعٍ وَضَلاَلَةٍ، وَاتِّبَاعِ هَوًى،
وَاجْتِنَابِ هُدًى، وَإِعْرَاضٍ عَنْ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ، وَاشْتِغَالٍ
بِأَسْبَابِ الشَّقَاوَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكْشِفُهُ لَهُ النُّورُ
الَّذِي فِي الْقَلْبِ، فَإِذَا نَفَذَ ذَلِكَ النُّورُ بَقِيَ صَاحِبُهُ
كَالأَْعْمَى الَّذِي يَجُوسُ فِي حَنَادِسِ الظَّلاَمِ.
السَّادِسَةُ: أَنَّهُ
يُورِثُ فِرَاسَةً صَادِقَةً يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ،
وَالصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ.
وَكَانَ شُجَاعٌ
الْكِرْمَانِيُّ يَقُولُ: مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ،
وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ،
وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشُّبَهَاتِ، وَاغْتَذَى بِالْحَلاَلِ، لَمْ تُخْطِئْ لَهُ
فِرَاسَةٌ وَكَانَ شُجَاعًا لاَ تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ ([1]).
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْزِي
الْعَبْدَ عَلَى عَمَلِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ لِلَّهِ
شَيْئًا عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ، فَإِذَا غَضَّ بَصَرَهُ عَنْ مَحَارِمِ
اللَّهِ، عَوَّضَهُ اللَّهُ بِأَنْ يُطْلِقَ نُورَ بَصِيرَتِهِ، عِوَضًا عَنْ حَبْسِ
بَصَرِهِ لِلَّهِ، وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الْعِلْمِ وَالإِْيمَانِ،
وَالْمَعْرِفَةِ وَالْفِرَاسَةِ الصَّادِقَةِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي إِنَّمَا
تُنَالُ بِبَصِيرَةٍ القلب.
وضد هذا ما وصف الله به
اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة، فَقالَ تَعالى: {لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِي
سَكۡرَتِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} [الْحِجْرِ:72] . فَوَصَفَهُمْ بِالسَّكْرَةِ الَّتِي
هِيَ فَسَادُ الْعَقْلِ، وَالْعَمَهِ الَّذِي هُوَ فَسَادُ الْبَصِيرَةِ.
فَالتَّعَلُّقُ بِالصُّوَرِ
يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْلِ، وَعَمَهَ الْبَصِيرَةِ، وَسُكْرَ الْقَلْبِ، كَمَا
قَالَ الْقَائِلٌ:
سَكْرَانُ سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ
مُدَامَةٍ |
|
وَمَتَّى إِفَاقَةُ مَنْ بِهِ
سُكْرَانِ |
([1])أخرجه: أبو نعيم في الحلية (10/237).