وآخرُ هذه الدَّرَجات هو
التَّتَيُّم، وهو أن يتعبَّد المُحِب لمَحبُوبه، وهذه المَرتبة لا تَجوز أن تكونَ
بينَ المَخلوقِين وبَعضهم، وإنما تكُون من العِباد إلى خَالقهم جل وعلا .
والتعريفُ المُختَصر
للعِبادة أنها: غَايةُ الحُبِّ مع غايةِ الذُّلِّ للمَحبوب، ولهَذا يَقول ابنُ القَيِّم
في «النُّونِيَّة» ([1]) :
وَعِبَادَةُ
الرَّحْمَنِ غَايَةُ حُبِّهِ |
|
مَعَ ذُلِّ
عَابِدِهِ هُمَا قُطْبَانِ |
فَعَلَيْهِمَا
فَلَكُ العِبَادَةِ دَائِرٌ |
|
مَا دَارَ
حَتَّى قَامَتِ الْقُطْبَانِ |
وَمَدَارُهُ بِالأَمْرِ
أَمْرِ رَسُولِهِ |
|
لاَ بِالهَوَى
وَالنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ |
فأوصلَ العِبادةَ: غَاية الحُبِّ مع
غَاية الذُّلِّ، وتَفاصيلها كما قالَ شيخُ الإسلامِابنُ تَيْمِية: «اسمٌ جَامِع لكُلِّ ما يُحِبُّه اللهُ
ويَرضاه مِن الأقوالِ والأعمالِ البَاطنة والظَّاهرة» ([2]). فمَن أحبَّ
شيئًا ولم يَذِلَّ له لم يَكُن عَبدًا له، فالإنسانُ يُحِبُّ زَوجته، ويُحِبُّ
وَلده، ويُحِبُّ صَديقه، لكِن لا يَذِلُّ لهم، فهذه ليستْ عِبادةً.
كذلكَ من ذَلَّ لشيءٍ ولم
يُحِبَّه لم يكُن عبدًا له، كالذِي يَذِلُّ للظَّلَمَة والسَّلاَطِين، فهو يَذِلُّ
لهم ويَخافُ منهم، لكِنه لا يُحِبُّهم، وهذا لا يُسمَّى عِبادةً، إنما العِبادةُ
ما اجتمعَ فيها الحُبُّ مع الذُّلِّ للمَحبوبِ.
وقوله: «وَلِهَذَا كَانْتَ أَشْرَفُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ وَمَقَامَاتِهِ فِي الْعُبُودِيَّةِ»، أي: لاَ مَنْزِلة للإنسانِ مُرتفِعة أَرْفَع مِن أن يكُون عبدًا للهِ، فالعُبودِيَّة للهِ مَرتبةٌ عَظيمةٌ؛ لأن فِيها عِزَّةً وسَعادةً وشرفًا.