واللهُ يُحِبُّهم: { فَسَوۡفَ
يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ} [المائدة: 54] ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقول: «أَحِبُّوا اللهَ مِنْ كُلِّ قُلُوبِكُمْ»
([1]).
لكِن مَحبة العبدِ للهِ لا
تَكفِي في النَّجَاة مِن عَذابه والفَوْز بثَوابه، بَل لابُدَّ مَعها مِن أنواعِ
العِبادة الأُخْرَى، كالخَوف والرَّجاء والخَشية والدُّعاء، وغَير ذلك مِن أنواعِ
العِبادة التِي أمرَ اللهُ تعالَى بها، فالذِي يَقتصرُ على المَحبة هذا يُشبِه
أهلَ الضَّلال مِن الصُّوفِيَّة الذِين يَعبدُون اللهَ بالمَحبة فَقَط، ويَقولون:
نَحن لا نَعبدُه طمعًا في جَنَّته ولا خوفًا مِن نَاره، وإنما نَعبدُه لأننا
نُحِبه!
فالمَحبة التِي ليسَ مَعها
خوفٌ وليسَ معها رجاءٌ هذه مَحبة الصُّوفِية، وهي مَحبةٌ باطلةٌ، ودِينهم باطلٌ،
فلابُدَّ مع المَحبة مِن الخَوف والرَّجاء، واللهُ جل وعلا قالَ في أوليائِه: {يَدۡعُونَ
رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا} [السجدة: 16] ، وقال: {أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ
يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ
رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ } [الإسراء: 57] .
وهُناك مَن يَعبد اللهَ
بالخوفِ فَقط وهُم الخَوَارِج، ليسَ عِندهم رَجاءٌ، وإنما عِندهم الخوفُ الشديدُ
الذِي حملَهم على ما حملَهم مِن الخُروج على وُلاَة أمورِ المُسلمين، واستحلالِ
دِماء المُسلمين وتَكفيرهم، وهَؤلاء يُقال لهم: الوَعِيدِيَّة، لأنهم يَعتَمِدون
على الوَعِيد فَقط. وكَذلك الذِين يَعبدون اللهَ بالرجاءِ فَقط وليسَ عِندهم خوفٌ
وهم المُرجِئة، وهَؤلاء ضُلاَّلٌ.
أما أهلُ الإيمانِ فيَعبدون اللهَ بالمَحبة والخَوْف والرَّجَاء، وهذه هي الطَّريقة الصَّحيحة في عِبادة اللهِ سبحانه وتعالى ، ثم يَتبعُ ذلكَ بَقِيَّة أنواعِ العِبادة،
([1])ذكره ابن هشام في السيرة النبوية (1/501) عن ابن إسحاق بغير سند إلى النبي صلى الله عليه وسلم .