×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

 وَأَبْقَى ثَوَابَهَا، وَقَالَ: «وَلاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، هِيَ خَمْسٌ فِي الْفِعْلِ، وَهِيَ خَمْسُونَ فِي الأَْجْرِ» ([1]).

****

الشرح

تقدَّم أن المُؤلِّف رحمه الله ذكرَ للمَحبة عشرَ دَرَجاتٍ، كما ذكرَها أيضًا في كِتاب «رَوْضَة المُحِبِّين»، وفي «مَدَارِك السَّالِكِين». وأعلَى دَرجات المَحبة ونِهايتها: الخُلَّة، سُمِّيت بالخُلَّة لأن الحَبيب يَتخلَّلالقَلب، كما يَقول الشاعرُ لحَبيبته ([2]) :

قَدْ تَخَلَّلْتِ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي

 

وَلِذَا سُمِّيَ الخَلِيلُ خَلَيلاً

وقوله: «وَهِيَ تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْمَحَبَّةِ وَنِهَايَتَهَا» يعني: أعلَى درجاتِ المَحبة، وهذه ما نالَها مِن البَشر أحدٌ إلا إبراهيمُ الخَليل ونبيُّنا مُحمد عليهما الصلاةُ والسلامُ، وفيها يَصِير المُحِب لا يُحِب غيرَ اللهِ عز وجل ، ولهذا ابتلَى اللهُ إبراهيمَ بذَبْحِ ابنِه، ومَعروفٌ أن الوَلَد من أحبِّ الناسِ إلى أَبيه، فلمَّا ابتلاهُ اللهُ وأمرَه بذَبحه بادرَ بامتثالاِلأمرِ، وقرَّبه للذبحِ ولم يَبْقَ إلا أن يقطعَ حَلقه بالسِّكِّين: {فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ} [الصافات: 103] ؛ امتثالاً لأمرِ اللهِ.

عِند ذلكَ نسخَ اللهُ جل وعلا الأمرَ بذبحِه وفَداهُ بالأُضحية التي صَارت سُنَّةً في بَني إبراهيمَ عليه السلام : {وَنَٰدَيۡنَٰهُ أَن يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ ١٠٤قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٠٥إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَٰٓؤُاْ ٱلۡمُبِينُ ١٠٦وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيمٖ ١٠٧} [الصافات: 104- 107] ، وصَارت الأُضحية مِن بَعده إحياءً لسُنَّته. الشاهدُ: أنه أقدمَ على ذَبحِ ابنِه امتثالاً لأمرِ اللهِ؛ لأنه يُحِب اللهَ أكثرَ مِن أيِّ شيءٍ.


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (349)، ومسلم رقم (163).

([2])البيت لبشار بن برد، ينظر: ديوانه (4/139).