×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

مَطْلُوبُ الْعُقَلاَءِ، وَلَكِنَّ الطُّرُقَ كُلَّهَا غَيْرُ مُوَصِّلَةٍ إِلَيْهِ، بَلْ لَعَلَّ أَكْثَرَهَا إِنَّمَا يُوَصِّلُ إِلَى ضِدِّهِ، وَلَمْ أَرَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الطُّرُقِ طَرِيقًا مُوَصِّلَةً إِلَيْهِ إِلاَّ الإِْقْبَالَ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَمُعَامَلَتَهُ وَحْدَهُ، وَإِيثَارَ مَرْضَاتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ  ([1]).

فَإِنَّ سَالِكَ هَذَا الطَّرِيقِ إِنْ فَاتَهُ حَظُّهُ مِنَ الدُّنْيَا فَقَدْ ظَفِرَ بِالْحَظِّ الْعَالِي الَّذِي لاَ فَوْتَ مَعَهُ، وَإِنْ حَصَلَ لِلْعَبْدِ حَصَلَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَإِنْ فَاتَهُ فَاتَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَإِنْ ظَفِرَ بِحَظِّهِ مِنَ الدُّنْيَا نَالَهُ عَلَى أَهْنَأِالْوُجُوهِ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْفَعُ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ، وَلاَ أَوْصَلُ مِنْهَا إِلَى لَذَّتِهِ وَبَهْجَتِهِ وَسَعَادَتِهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

****

الشرح

كُل إنسانٍ في هَذه الحَياة لابُد أن يَفعل أو يَترك، ولكِن الشَّأن في نَوع ما يَفعل ونَوع ما يترُك، فإن كانَ يفعلُ الخَير ويترُك الشرَّ فهذه علامةُ السعادةِ، وإن كانَ يترُك الخَير ويفعلُ الشرَّ فهذه عَلامة الشقاوَة، فهو إما أن يكسبَ لنفسِه فعلَ الخيرِ ويترُك الشرَّ، أو يكسبَ عليها إن كانَ بالعكسِ: {مَّنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَآءَ فَعَلَيۡهَاۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ} [فصلت: 46] .

واللهُ جل وعلا إنما يُجازي الناسَ على أعمالِهم التي عَملوها باختيارِهم وطَواعيتهم، أما ما يَعملونه مُكرَهين ليس لهم اختيارٌ فيه، أو يَعملونه بجهلٍ ليسَ عِندهم علمٌ، ويظنُّونه خيرًا ولا يعلمونَ أنه شرٌّ، فالجَاهل يُعذَر بجَهله، والمُكرَه يُعذَر بإكراهِه، والمَجنون الذِي لا عقلَ له هَذا أيضًا لا يُؤاخَذ، فاللهُ تبارك وتعالى لا يَظلِم أحدًا، وإنما يُجازِي الناسَ بأعمالِهم.


الشرح

([1])ينظر: الأخلاق والسير لابن حزم (13- 16).