×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

وأيضًا هو يَعفو ويَصفح سبحانه وتعالى : {وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ} [فاطر: 45] ، {وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ} [الشورى: 30] ، فهو يَعفو عن كثيرٍ فضلاً مِنه وإحسانًا.

الحاصلُ: أن اللهَ جل وعلا لا يظلمُ أحدًا، وإنما يُجازيه بأعمالِه خيرِها وشرِّها، وقد بيَّن له طريقَ السعادةِ ووضَّحه له، وبيَّن له طريقَ الشقاءِ وحذَّره منه، فلم تبقَ مَعذرة للناسِ بأنهم ما جاءَهم نذيرٌ، ولا جاءَهم كِتابٌ، ولا أُعطوا اختيارًا وقُدرة، فاللهُ جل وعلا تفضَّل عليهم بكثيرٍ من الفَضْل، مع أنه لا يَحتاج إليهم، وهو غنيٌ عنهم، لكِنهم الذين يَحتاجون إليه، فهو مع غِناهُ عنهم يَدعُوهم ويُرشِدهم، ومع فقرِهم إليه يُعرِضون عنه، وهذا مِن العَجائب.

فهذا الإنسانُ أمرُه عجيبٌ مع ربِّه عز وجل ، فاللهُ هو الغَني وهو الفَقير إليه، ومع هذا يُعرِض عن داعِي اللهِ الذِي يُريد له الخيرَ، ويتَّبع داعِي عدوِّه الشيطانِ الذِي يُريد له الشرَّ والهلاكَ.

ومن العَجيب أن بعضَ العُقَلاء من بَني آدمَ تكُون الحَيوانات أحسنَ تصرُّفًا منهم؛ لأن الحيوانَ يتبعُ ما فيه له مَنفعة، ويترُك ما فيه مَضرَّة، أما هذا الإنسانُ فهو بالعَكسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ عز وجل ، فهو يترُك ما فيه مَنفعته ويَأخُذ ما فيه مَضرَّته.

ولهذا قالَ اللهُ تبارك وتعالى : {أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44] ؛ لأن الأنعامَ تأخُذ ما يَنفعها وتترُك ما يضرُّها فِطرة وطَبيعة فيها، أما هَذا الإنسانُ فهو بالعكسِ: {وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡيُنٞ لَّا يُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانٞ لَّا يَسۡمَعُونَ بِهَآۚ أُوْلَٰٓئِكَ كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ} [الأعراف: 179] .


الشرح