فهم لا يَفقهُون فِقهًا
يَنفعهم، ولا يَسمعُون سمعًا ينفعُهم، ولا يُبصِرون ما فيه سَعادتهم، وإلا فهم
يَرَوْن الأشياءَ ويَنظرون إليها، ويَسمعون الأصواتَ، ليسَ فيهم صَمَمٌ ولا عَمًى،
لكِنهم لا يَستعملون هذه الحَواس فيما يَنفعُهم، فلا يُقبِلون على سَماع كلامِ اللهِ
وكلامِ رسولِه وكلامِ أهلِ العِلْم والناصِحين، وإنما يَستمعون إلى ما يضرُّهم من
الأغانِي والمَزامير، ويستمعُون إلى دُعَاة الضَّلال وقَادَة الفِتنة.
وبعضُ الناسِ يُريد
المَنفعة، لكن لابُد من النَّظَر في هذه المَنفعة: هل هيَ مَنفعةٌ صَحيحة،
وعَاقبتها حَميدة؟ أم هِي منفعةٌ عاجلةٌ ومَضرَّتها أكثرُ وعَاقبتها أَسْوأ؟ فبعضُ
الناسِ يُؤثِر لذَّة عاجلةً على عَاقبةٍ سيِّئة، فيقعُ في الزنَا، أو يَشرب
الخمرَ، أو يَتعاطَى الدُّخان والمُسكِرات والمُخدِّرات، زاعمًا أنه يتلذَّذ بها،
وقد يكُون فيها لذةٌ آنِيَّة، لكن عليه أن ينظُر إلى العَواقب.
فالمَنفعة إذا كانتْ فيها
مَضرَّة أكثَر فإنها تُترَك، وكَذلك إذا كانتْ مَضرَّة الشيءِ ومَنفعته مُتساوية
فإنه يُترَك، أما إذا كانتْ مَنفعته راجحةً، أو مَنفعته خالصةً ليس معها مَضرَّة،
فهذا مطلوبٌ.
فالواجبُ على الإنسانِ أن
يُفكِّر في الأشياءِ، فيُوازن بينَ المَنافع والمضارِّ قبلَ أن يُقدِم على فعلِ
شيءٍ، ولا يتَّبع هَواه ونفسَه الأمَّارة بالسوءِ، ولا يتَّبع أعداءَه ودُعاة
الضَّلال، وفي ذلك يَقولُ الشاعِر ([1]) :
وَأَحْزَمُ
النَّاسِ مَنْ لَوْ مَاتَ مِنْ ظَمَأٍ |
|
لاَ يَقْرَبُ الوِرْدَ
حَتَّى يَعْرِفَ الصَّدَرَا |
فليسَ هو يُريد أن يشربَ فقط ولا ينظُر كيفَ يصدرُ مِن هَذا، بل يُوازِن.
([1])البيت لصفي الدين الحلي، ينظر: ديوانه (ص: 69).