وهذا التشريعُ العظيمُ عامٌّ
للأُمَّة، أما الرسولُ صلى الله عليه وسلم فله خَصائصُ، مِنها: أنه كانَ يُواصِل
في الصِّيام، ولهَذا قالَ: «إِنِّي لَسْتُ
كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي»، فهو
صلى الله عليه وسلم يَقْوَى بذلك ويَتلذَّذ به، أما غَيره فإنهم يتأثَّرون
ويَضعُفون إذا وَاصلوا، والنَّاس لهم أعمالٌ وأشغالٌ وحِرَف، فيتضرَّرون مِن طُول
الصِّيام.
وقوله: «أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي
وَيَسْقِينِي»، هذا لا يَعلمُه إلا اللهُ جل وعلا .
والشاهدُ مِن
الأبياتِ التي أوردَها المُؤلِّف: أن الرَّاحلة لا يُتعِبها السَّير؛ لأنها تَرجُو
الوصولَ إلى هذا المَمْدوح، فإذا رَجَتِ الوُصول وذكرتْ قُرب الوُصول إلى المَمدوح
فإنها يَهُون عَليها السَّير ولا تتأثَّر به، فكذلكَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم
إذا تذكَّر القُدوم على اللهِ وما عندَ اللهِ له فإنه يَسهُل عليه تَرك الطعامِ
والشَّراب.
وقد كانَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم يُحِب الذِّكْر، ويُحِب العِبادة، ويَتقوَّى بها، وكانَ يقومُ الليلَ حتى تتفطَّر قَدماه مِن طُول القِيام ([1])، وكانَ يَقرأ بالسُّور الطويلةِ في ركعةٍ واحدةٍ، ويَركع ركوعًا طويلاً، ويَسجُد سجودًا طويلاً، فلا يُطيق أحدٌ عملَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ، فهو له خَاصية بذلكَ، وهَذا لا يُؤثِّر عليه وإنما يُقوِّيه ويُنشِّطه.
([1])أخرجه: البخاري رقم (4837)، ومسلم رقم (2820).