فَصْلٌ
وَكَمَا أَنَّ الْمَحَبَّة
وَالإِْرَادَةَ أَصْلُ كُلِّ فِعْلٍ - كَمَا تَقَدَّمَ - ، فَهِيَ أَصْلُ كُلِّ
دِينٍ سَوَاءٌ أَكَانَ حَقًّا أَوْ بَاطِلاً، فَإِنَّ الدِّينَ هُوَ مِنَ
الأَْعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، وَالْمَحَبَّة وَالإِْرَادَةُ أَصْلُ
ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَالدِّينُ هُوَ الطَّاعَةُ
وَالْعِبَادَةُ وَالْخُلُقُ، فَهُوَ الطَّاعَةُ اللاَّزِمَةُ الدَّائِمَةُ الَّتِي
صَارَتْ خُلُقًا وَعَادَةً، وَلِهَذَا فُسِّرَ الْخُلُقُ بِالدِّينِ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَإِنَّكَ
لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ} [الْقَلَمِ: 4] .
وَقَالَ الإِْمَامُ أَحْمَدُ
عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَلَى دِينٍ عَظِيمٍ ([1]).
وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ
خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ»
([2]).
وَالدِّينُ فِيهِ مَعْنَى
الإِْذْلاَلِ وَالْقَهْرِ، وَفِيهِ مَعْنَى الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ وَالطَّاعَةِ،
فَلِذَلِكَ يَكُونُ مِنَ الأَْعْلَى إِلَى الأَْسْفَلِ، كَمَا يُقَالُ: دِنْتُهُ
فَدَانَ، أَيْ قَهَرَتْهُ فَذَلَّ.
قَالَ الشَّاعِرُ ([3]):
هُوَ دَانَ الرَّبَابَ إِذْ
كَرِهُوا الدِّ |
|
ينَ فَأَضْحَوْا بِعِزَّةٍ
وَصِيَالِ |
وَيَكُونُ مِنَ الأَْدْنَى إِلَى الأَْعْلَى، كَمَا يُقَالُ: دِنْتُ اللَّهَ، وَدِنْتُ لِلَّهِ، وَفُلاَنٌ لاَ يَدِينُ اللَّهَ دِينًا، وَلاَ يَدِينُ اللَّهَ بِدِينٍ، فَدَانَ اللَّهَ: أَيْ أَطَاعَ اللَّهَ وَأَحَبَّهُ وَخَافَهُ، وَدَانَ اللَّهَ: تَخَشَّعَ لَهُ وَخَضَعَ وَذَلَّ وَانْقَادَ.
الصفحة 1 / 375