وَالدِّينُ الْبَاطِنُ لاَ
بُدَّ فِيهِ مِنَ الْحُبِّ وَالْخُضُوعِ كَالْعِبَادَةِ سَوَاءً، بِخِلاَفِ
الدِّينِ الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَلْزِمُ الْحُبَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ
انْقِيَادٌ وَذُلٌّ فِي الظَّاهِرِ.
وَسَمَّى اللَّهُ
سُبْحَانَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «يَوْمَ الدِّينِ» فَإِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي
يَدِينُ فِيهِ النَّاسُ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ
شَرًّا فَشَرٌّ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ جَزَاءَهُمْ وَحِسَابَهُمْ، فَلِذَلِكَ
فَسَّرُوهُ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ، وَيَوْمِ الْحِسَابِ.
وَقَالَ تَعَالَى: { فَلَوۡلَآ
إِن كُنتُمۡ غَيۡرَ مَدِينِينَ ٨٦تَرۡجِعُونَهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٨٧} [الْوَاقِعَةِ:
86- 87] . أَيْ هَلاَّ تَرُدُّونَ الرُّوحَ إِلَى مَكَانِهَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ
مَرْبُوبِينَ مَقْهُورِينَ وَلاَ مَجْزِيِّينَ.
وَهَذِهِ الآْيَةُ تَحْتَاجُ
إِلَى تَفْسِيرٍ، فَإِنَّهَا سِيقَتْ لِلاِحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ فِي إِنْكَارِهِمُ
الْبَعْثَ وَالْحِسَابَ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ مُسْتَلْزِمًا
لِمَدْلُولِهِ، بِحَيْثُ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنْهُ إِلَى الْمَدْلُولِ، لِمَا
بَيْنَهُمَا مِنَ التَّلاَزُمِ، فَيَكُونُ الْمَلْزُومُ دَلِيلاً عَلَى لاَزِمِهِ،
وَلاَ يَجِبُ الْعَكْسُ.
وَوَجْهُ الاِسْتِدْلاَلِ:
أَنَّهُمْ إِذَا أَنْكَرُوا الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ فَقَدْ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ،
وَأَنْكَرُوا قُدْرَتَهُ وَرُبُوبِيَّتَهُ وَحِكْمَتَهُ.
فَإِمَّا أَنْ يُقِرُّوا
بِأَنَّ لَهُمْ رَبًّا قَاهِرًا مُتَصَرِّفًا فِيهِمْ، كَمَا سَيُمِيتُهُمْ إِذَا
شَاءَ وَيُحْيِيهِمْ إِذَا شَاءَ، وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ، وَيُثِيبُ
مُحْسِنَهُمْ وَيُعَاقِبُ مُسِيئَهُمْ، وَإِمَّا أَلاَّ يُقِرُّوا بِرَبٍّ هَذَا
شَأْنُهُ.
فَإِنْ أَقَرُّوا بِهِ آمَنُوا بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَالدِّينِ الأَْمْرِيِّ وَالْجَزَائِيِّ، وَإِنْ أَنْكَرُوهُ كَفَرُوا بِهِ، فَقَدْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ غَيْرُ مَرْبُوبِينَ وَلاَ مَحْكُومٍ عَلَيْهِمْ، وَلاَ لَهُمْ رَبٌّ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَمَا أَرَادَ، فَهَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعِ الْمَوْتِ عَنْهُمْ إِذَا جَاءَهُمْ، وَعَلَى رَدِّ الرُّوحِ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ.