فقالَ اللهُ لهم: إن كُنتم أحرارًا كما
تَزعُمون فهَلاَّ أَنقذْتُم أنفسَكم مِما يَجري عَليكم مِن أقدارِ اللهِ؟! هَلاَّ
أنقذتُم أنفسَكم مِن شيءٍ لا أحدَ يُنكِره وهو المَوْت؟! وجَميع الخَلق يَعلمُون
أنه لا أحدَ يستطيعُ أن يَنْجُو مِن المَوت، أو يدفعَ المَوْت، فهذا دليلٌ على أن
له رَبًّا يَقضِي عليه، وأن له رَبًّا يُمِيته، فأينَ حُرِّيَّته، وأينَ
مَقْدِرَته، وأينَ قُوَّته التِي يَدَّعِي؟!
فإذا كانَ لا يَستطيعُ أن
يَتخلَّص مِن أقدارِ اللهِ فإنه يَلْزَمُه أن يُطِيع أوامرَ اللهِ ويَنْقَاد له،
وهذا مِثالٌ واضحٌ: فالمَيِّت حِينما يَحتَضِر وعِنده أهلُه وأقاربُه الذِين
يُحزِنهم مَوْته ويَفقدونه، لمَاذا لا يَرُدُّون عليه رُوحَه ويُنقِذُونه مِن
المَوْت وهم عِنده كَثيرون؟! لمَاذا لا يُنقِذُونه مِن المَوْت مع أنه أغلَى شيءٍ
عِندهم؟! بل يَمُوت وهم يَنظُرون إليه ولا يَستطيعُون أن يَمنعوا المَوْت عَنه،
وهذا المَوْت مِن أينَ جاءَ؟ جاءَ مِن اللهِ سبحانه وتعالى ، هو الذِي يُحيِي
ويُمِيت، فهذه حُجَّة قاهرةٌ لهم.
فدَلَّ على أنهم عِبادٌ،
وأنهم مُدَبَّرون، وليسُوا أحرارًا كما يَزعُمون، وإنما هم مُدَبَّرون، مَقْضِيٌّ
عليهم، تَنْفُذ فيهم أحكامُ اللهِ جل وعلا وأوامرُه الكَوْنِيَّة، فكذلكَ يَجِب
عليهم أنْ يَمتثلُوا أوامرَه الشَّرعية لأجلِ مَصلحتهم؛ لأنهم إذا تَركوها أضرُّوا
بأنفسِهم، فأينَ عُقولهم التي يُرِيدون منها نفعَ أنفسِهم وهم يضرُّونها
ويُهلِكُونها؟!
وهذا مِثالٌ واحدٌ مِمَّا يَجرِي على العِباد ولا يَستطيعون رَدَّه، وهو: المَوْت، وكذلكَ غَير المَوْتِ مِن أوامرِ اللهِ الكَوْنِيَّة، مِثل: الغِنى، والفَقر، والمَرَض، والصِّحة، والهَمِّ، والحُزْن، والفَرَح، والسُّرور... وغَير ذلكَ مِمَّا يَجري عَليهم ولا يَستطيعُون أن يَرُدُّوه عن أنفسِهم.