وَلَمَّا عَلِمَ نَبِيُّ
اللَّهِ هُودٌ عليه السلام أَنَّ رَبَّهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فِي خَلْقِهِ
وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ، وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ،
وَمَنْعِهِ وَعَطَائِهِ، وَعَافِيَتِهِ وَبَلاَئِهِ، وَتَوْفِيقِهِ وَخِذْلاَنِهِ،
لاَ يَخْرُجُ فِي ذَلِكَ عَنْ مُوجِبِ كَمَالِهِ الْمُقَدَّسِ، الَّذِي
يَقْتَضِيهِ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ، مِنَ الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ
وَالإِْحْسَانِ وَالْفَضْلِ، وَوَضْعِ الثَّوَابِ مَوَاضِعَهُ، وَالْعُقُوبَةِ فِي
مَوْضِعِهَا اللاَّئِقِ بِهَا، وَوَضْعِ التَّوْفِيقِ وَالْخِذْلاَنِ وَالْعَطَاءِ
وَالْمَنْعِ وَالْهِدَايَةِ وَالإِْضْلاَلِ، كُلُّ ذَلِكَ فِي أَمَاكِنِهِ
وَمَحَالِّهِ اللاَّئِقَةِ بِهِ، بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَالَ
الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ - أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ الْعِلْمَ وَالْعِرْفَانَ، إِذْ
نَادَى عَلَى رُؤُوسِ الْمَلَأِ مِنْ قَوْمِهِ بِجَنَانٍ ثَابِتٍ وَقَلْبٍ غَيْرِ
خَائِفٍ بَلْ مُتَجَرِّدٍ لِلَّهِ {إِن نَّقُولُ إِلَّا ٱعۡتَرَىٰكَ
بَعۡضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوٓءٖۗ قَالَ إِنِّيٓ أُشۡهِدُ ٱللَّهَ وَٱشۡهَدُوٓاْ
أَنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ ٥٤مِن دُونِهِۦۖ فَكِيدُونِي جَمِيعٗا ثُمَّ لَا
تُنظِرُونِ ٥٥إِنِّي تَوَكَّلۡتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ
إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٦} [هُودٍ: 54- 56] .
ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ عُمُومِ
قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ لِكُلِّ مَا سِوَاهُ، وَذُلِّ كُلِّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ،
فَقَالَ: {مَّا مِن دَآبَّةٍ
إِلَّا هُوَ ءَاخِذُۢ بِنَاصِيَتِهَآۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} [هُودٍ: 56] ،
فَكَيْفَ أَخَافُ مَنْ نَاصِيَتُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ، وَهُوَ فِي قَهْرِهِ
وَقَبْضَتِهِ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ دُونَهُ، وَهَلْ هَذَا إِلاَّ مِنْ
أَجْهَلِ الْجَهْلِ، وَأَقْبَحِ الظُّلْمِ؟!
ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، فَكُلُّ مَا يَقْضِيهِ وَيُقَدِّرُهُ فَلاَ يَخَافُ الْعَبْدُ جَوْرَهُ وَلاَ ظُلْمَهُ، فَلاَ أَخَافُ مَا دُونَهُ، فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِهِ، وَلاَ أَخَافُ جَوْرَهُ وَظُلْمَهُ، فَإِنَّهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.