وَاللَّهُ سبحانه وتعالى إِنَّمَا حَكَى هَذَا
الْمَرَضَ عَنْ طَائِفَتَيْنِ مِنَ النَّاسِ، وَهُمُ اللُّوطِيَّةُ وَالنِّسَاء،
فَأَخْبَرَ عَنْ عِشْقِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ لِيُوسُفَ، وَمَا رَاوَدَتْهُ
وَكَادَتْهُ بِهِ، وَأَخْبَرَ عَنِ الْحَالِ الَّتِي صَارَ إِلَيْهَا يُوسُفُ
بِصَبْرِهِ وَعِفَّتِهِ وَتَقْوَاهُ، مَعَ أَنَّ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ أَمْرٌ
لاَ يَصْبِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ مَنْ صَبَّرَهُاللَّهُ، فَإِنَّ مُوَاقَعَةَ
الْفِعْلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ الدَّاعِي وَزَوَالِ الْمَانِعِ، وَكَانَ الدَّاعِي
هَاهُنَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: مَا رَكَّبَهُ
اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي طَبْعِ الرَّجُلِ مِنْ مَيْلِهِ إِلَى الْمَرْأَةِ، كَمَا
يَمِيلُ الْعَطْشَانُ إِلَى الْمَاءِ، وَالْجَائِعُ إِلَى الطَّعَامِ، حَتَّى
إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَصْبِرُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلاَ
يَصْبِرُ عَنِ النِّسَاء، وَهَذَا لاَ يُذَمُّ إِذَا صَادَفَ حَلاَلاً، بَلْ
يُحْمَدُ كَمَا فِي كِتَابِ الزُّهْدِ لِلإِْمَامِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ يُوسُفَ
بْنِ عَطِيَّةَ الصِّفَارِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيّ
صلى الله عليه وسلم : «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ دُنْيَاكُمُ النِّسَاء وَالطِّيبُ،
أَصْبِرُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلاَ أَصْبِرُ عَنْهُنَّ» ([1]).
الثَّانِي: أَنَّ يُوسُفَ
عليه السلام كَانَ شَابًّا، وَشَهْوَةُ الشَّبَابِ وَحِدَّتُهُ أَقْوَى.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ كَانَ
عَزَبًا، لَيْسَ لَهُ زَوْجَةٌ وَلاَ سُرِّيَّةٌ تَكْسِرُ شِدَّةَ الشَّهْوَةِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ كَانَ
فِي بِلاَدِ غُرْبَةٍ، يَتَأَتَّى لِلْغَرِيبِ فِيهَا مِنْ قَضَاءِ الْوَطَرِ مَا
لاَ يَتَأَتَّى لَهُ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَهْلِهِ وَمَعَارِفِهِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ ذَاتَ مَنْصِبٍ وَجِمَالٍ، بِحَيْثُ إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الأَْمْرَيْنِ يَدْعُو إِلَى مُوَاقَعَتِهَا.
([1])أخرجه: النسائي رقم (3939)، وأحمد رقم (12293).