فَتَأَمَّلْ حَالَ أَكْثَرِ
عُشَّاقِ الصُّوَرِ تَجِدْهَا مُطَابِقَةً لِذَلِكَ، ثُمَّ ضَعْ حَالَهُمْ فِي
كِفَّةٍ، وَتَوْحِيدَهُمْ وَإِيمَانَهُمْ فِي كِفَّةٍ، ثُمَّ زِنْ وَزْنًا يَرْضَى
اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَيُطَابِقُ الْعَدْلَ.
وَرُبَّمَا صَرَّحَ
الْعَاشِقُ مِنْهُمْ بِأَنَّ وَصْلَ مَعْشُوقِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ
رَبِّهِ، كَمَا قَالَ الْعَاشِقُ الْخَبِيثُ ([1]) :
يَتَرَشَّفْنَ مِنْ فَمِي رَشَفَاتٍ |
|
هُنَّ أَحْلَى فِيهِ مِنَ
التَّوْحِيدِ |
وَكَمَا صَرَّحَ الْخَبِيثُ
الآْخَرُ أَنَّ وَصْلَ مَعْشُوقِهِ أَشْهَى إِلَيْهِ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ -
فعياذًا بك اللهم من هذا الخذلان - فقال:
وَصْلُك أَشهَى إِلَى فُؤادِي |
|
مِنْ رَحْمَةِ الخَالِقِ الجَلِيلِ |
ولاَ رَيْبٍ إِنَّ هَذَا
الْعِشْقَ مِنْ أَعْظَمِ الشِّرْكِ.
وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ
يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِهِ مَوْضِعٌ لِغَيْرِ مَعْشُوقِهِ
أَلْبَتَّةَ، بَلْ قَدْ مَلَكَ عَلَيْهِ قَلْبَهُ كُلَّهُ فَصَارَ عَبْدًا مَحْضًا
مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِمَعْشُوقِهِ، فَقَدْ رَضِيَ هَذَا مِنْ عُبُودِيَّةِ
الْخَالِقِ جَلَّ جَلاَلُهُ بِعُبُودِيَّةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ: فَإِنَّ
الْعُبُودِيَّةَ هِيَ كَمَالُ الْحُبِّ وَالْخُضُوعِ، وَهَذَا قَدِ اسْتَفْرَغَ
قُوَّةَ حُبِّهِ وَخُضُوعِهِ وَذُلِّهِ لِمَعْشُوقِهِ فَقَدْ أَعْطَاهُ حَقِيقَةَ
الْعُبُودِيَّةِ.
وَلاَ نِسْبَةَ بَيْنَ
مَفْسَدَةِ هَذَا الأَْمْرِ الْعَظِيمِ وَمَفْسَدَةِ الْفَاحِشَةِ، فَإِنَّ تِلْكَ
ذَنْبٌ كَبِيرٌ لِفَاعِلِهِ حُكْمُ أَمْثَالِهِ، وَمَفْسَدَةُ هَذَا الْعِشْقِ
مَفْسَدَةُ الشِّرْكِ.
وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ
مِنَ الْعَارِفِينَ يَقُولُ: لَأَنْ أُبْتَلَى بِالْفَاحِشَةِ مَعَ تِلْكَ
الصُّورَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبْتَلَى فِيهَا بِعِشْقٍ يَتَعَبَّدُ
لَهَا قَلْبِي وَيَشْغَلُهُ عَنِ اللَّهِ.
****
([1])البيت للمتنبي، ينظر: ديوانه (ص: 19).