×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

ثُمَّ حَمَلَهَا فِي هَوْدَجٍ، وَجَهَّزَهَا بِثَلاَثِينَ رَاحِلَةً مِنَ الْمَتَاعِ وَالتُّحَفِ، فَوَدَّعْنَاهُ وَسِرْنَا، حَتَّى إِذَا بَقِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ مَرْحَلَةٌ وَاحِدَةٌ، خَرَجَتْ عَلَيْنَا خَيْلٌ تُرِيدُ الْغَارَةَأَحْسَبُهَا مِنْ سُلَيْمٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا عُتْبَةُ بْنُ الْحُبَابِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ رِجَالاً، وَجَرَحَ آخَرِينَ، ثُمَّ رَجَعَ وَبِهِ طَعْنَةٌ تَفُورُ دَمًا، فَسَقَطَ إِلَى الأَْرْضِ، وَانْثَنَى بِخَدِّهِ، فَطُرِدَتْ عَنَّا الْخَيْلُ وَقَدْ قَضَى عُتْبَةُ نَحْبَهُ، فَقُلْنَا: وَاعُتْبَتَاهُ، فَسَمِعَتْنَا الْجَارِيَةُ، فَأَلْقَتْ نَفْسَهَا مِنَ الْبَعِيرِ، وَجَعَلَتْ تَصِيحُ بِحُرْقَةٍ، وَأَنْشَدَتْ:

تَصَبَّرْتُ لاَ أَنِّي صَبِرْتُ وَإِنَّمَا

 

أُعَلِّلُ نَفْسِي أَنَّهَا بِكَ لاَحِقَهْ

فَلَوْ أَنْصَفَتْ رُوحِي لَكَانَتْ إِلَى الرَّدَى

 

أَمَامَكَ مِنْ دُونِ الْبَرِيَّةِ سَابِقَهْ

فَمَا أَحَدٌ بَعْدِي وَبَعْدَكَ مُنْصِفٌ

 

خَلِيلاً وَلاَ نَفْسٌ لِنَفْسٍ مُوَافِقَهْ

ثُمَّ شَهِقَتْ وَقَضَتْ نَحْبَهَا، فَاحْتَفَرْنَا لَهُمَا قَبْرًا وَاحِدًا وَدَفَنَّاهُمَا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقَمْتُ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الْحِجَازِ وَوَرَدْتُ الْمَدِينَةَ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لآَتِيَنَّ قَبْرَ عُتْبَةَ أَزُورُهُ، فَأَتَيْتُ الْقَبْرَ، فَإِذَا عَلَيْهِ شَجَرَةٌ عَلَيْهَا عَصَائِبُ حُمْرُ وَصُفْرُ، فَقُلْتُ: لأَِرْبَابِ الْمَنْزِلِ مَا يُقَالُ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ؟ قَالُوا: شَجَرَةُ الْعَرُوسَيْنِ.

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعِشْقِ مِنَ الرُّخْصَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلتَّشْدِيدِ إِلاَّ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ بِالْحَسَنِ مِنَ الأَْسَانِيدِ، وَهُوَ حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ: «مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ، وَكَتَمَ فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ» ([1]).

وَرَوَاهُ سُوَيْدٌ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا.


الشرح

([1])أخرجه: الخطيب في تاريخ بغداد (5/156)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (43/195).