وهذا ضَلال! بلِ اللهُ جل وعلا يُعبدُ لأنَّه
يُحبُّ ويُخافُ ويُرجَى، لا للمَحَبَّة فقط، وقد ذكر الله جل وعلا عن خُلاصَة
عبادِه أنهم: {يَدۡعُونَ
رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا} [السجدة: 16] ، خوفًا مِن عقابِه، وطَمعًا في ثَوابِه، {وَيَرۡجُونَ
رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ} [الإسراء: 57] . وقال عنِ الأنبيَاء: {إِنَّهُمۡ
كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ} [الأنبياء: 90] ، {رَغَبٗا} أي: رجَاءً، {وَرَهَبٗاۖ} يعني: خَوفًا.
فاللهُ جل وعلا يُعبَد
بجَميع أنوَاع العبَادة، ومِنها المَحَبَّة، قال تعالى: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن
يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ} [البقرة: 165] ، فاللهُ أحبّ إليْهم مِن كلِّ شَيء،
ولذلك لا يُؤثرُون على محبَّته شيئًا، {قُلۡ إِن كَانَ
ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ
وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ
تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ
فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ
ٱلۡفَٰسِقِينَ} [التوبة: 24] .
فالمُؤمنُون لا يُقدِّمون
على مَحَبَّة الله جل وعلا شَيئًا، لا مَحَبَّة الوَالِد، ولا مَحَبَّة الوَلَد،
ولا مَحَبَّة المَال، ولا مَحَبَّة النَّفْس، ولا أيَّ شَيءٍ، ولهذا قال: {يُحِبُّهُمۡ
وَيُحِبُّونَهُۥٓ} [المائدة: 54] ، فاللهُ سبحانه وتعالى يُحبُّهم وهم يُحبُّونه.
وأَصلُ العبَادة كمَال الحُب
مع كمَال الذُّل، وأمَّا المَحَبَّة التي بغَير ذُل فليسَت عبَادة، كحُب
الإِنْسَان للزَّوجة والمَال والوَلد، لكنَّه لا يذلُّ لهم، وكذلك الذُّل بدُون
مَحَبَّة لا يُسمى عبَادة، فقد يَخافُ الإِنْسَان مِن الجبَابرَة، ويَخاف مِن
السِّباع، ويَخاف مِن المُؤذيَات، فليْست هذه عبَادة لهَا، وإنَّما هو خَوفٌ
طَبيعِي؛ لأنَّه ليس معَه ذُل وخُضوع.
فالعبَادة: ما اجَتمعَ فيها غَايةُ الحُبِّ مع غَاية الذُّل والخُضوعِ لله عز وجل .