وَاللَّهُ سبحانه وتعالى
خَلَقَ الْخَلْقَ لِيُنِيلَهُمْ هَذِهِ اللَّذَّةَ الدَّائِمَةَ فِي دَارِ
الْخُلْدِ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَمُنْقَطِعَةٌ، وَلَذَّاتُهَا لاَ تَصْفُو
أَبَدًا وَلاَ تَدُومُ، بِخِلاَفِ الآْخِرَةِ، فَإِنَّ لَذَّاتِهَا دَائِمَةٌ،
وَنَعِيمَهَا خَالِصٌ مِنْ كُلِّ كَدَرٍ وَأَلَمٍ، وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ
الأَْنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَْعْيُنُ مَعَ الْخُلُودِ أَبَدًا، وَلاَ تَعْلَمُ
نَفْسٌ مَا أَخْفَى اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِيهَا مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ، بَلْ
فِيهَا مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ
بَشَرٍ.
****
الشرح
لاشَكَّ أنَّ مَحَبَّة
الشَّيءِ هي التي تَدفعُ الإِنْسَانَ إلى تَحصِيلِه وتَحمُّلِ المَشاق في سَبيلِ
الوُصولِ إليْه. فَلولاَ المَحَبَّة ما تَحرَّك أَحد، ومَا اشتَغل أَحدٌ في جَلبِ
شَيء إلا لأَنَّه يُحبُّه، فمِن يُحبُّ المَال يَشتغلُ في طَلبِه، ومَن يحبُّ المَلذاتِ
المُلائمَة للنَّفسِ يَشتغلُ في تَحصيلهَا، ولذَلك يَسعَى النَّاسُ في تَحصِيل
مَلذَّاتهم، وتَحقيقِ مصَالحِهم، فَلولا وُجُود المَحَبَّة التي تَدفَعُهم
للمُحبُوب لمَا أَفنَوا حيَاتَهم وتَعرَّضُوا للأَخطَار في تَحصِيله؛ ولكن لابُدَّ
مِن النَّظرِ في عَواقبِ الأُمُور، فَإذا كَانتْ مَحَبَّة الشَّيء تُفضي إلى خَيرٍ
فَإنَّها مَحَبَّة مَحمُودة، ولا يُلام مَن طَلب مَحبُوبَه فيهَا، وأمَّا إذا
كَانت هذه المَحَبَّة مُؤقتَة ويُعقبُها بُغضٌ ويَعقبُها حَسرَة؛ فهي مَحَبَّة
مَذمُومة.
فالذي يُحبُّ الدُّنيا ويُؤْثرُها على الآخرَة فهذا سَيتحسَّر فيمَا بعْدإِذا فَاتتْه الدُّنيا والآخرَة؛ لأنَّ الدُّنيَا لا تَدوم، والآخرَة مُقبلَة، وهي التي يَنبغِي أنْ يَسعَى الإِنْسَان إليهَا: {وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا} [الإسراء: 19] ، أمَّا مَن اقتَصرَ حبُّه على الدنيَا فقط ونَسي الآخرَة، فهذا وإِن حَصلَت له مَلذتُه ومَطلوبُه