×
تعْليقَاتٌ على الجَوابِ الكَافي الجزء الثاني

ولهذا يَقولُ شيخُ الإسلاَم ابنُ تَيمِية رحمه الله : «إنَّ للهِ جنَّة في الدُّنيَا مَن لمْ يَدخلْها لمْ يَدخلْ جنَّة الآخرَة» ([1]). وجَنتُه في الدنيَا هي ذِكرُه سبحانه وتعالى : {ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ} [الرعد: 28] ، هذه جَنَّة غفلَ عنها كَثيرٌ مِن النَّاس، فأَهل الإِيمَان لأنَّ ذِكْر اللهِ ألذُّ عليْهم مِن كلِّ شَيءٍ؛ وفَّقَهم اللهُ وأَدخلَهم جنَّته في الآخرَ وتَلذَّذوا بِها، أمَّا مَن حُرِم الجنَّة التي في الدُّنيَا - وهِي ذكرُ الله - فإنَّه يُحرَم مِن جنَّة الآخرَة، ولهذا يَقولُ بعضُهم: «مسَاكينُ أَهلُ الدُّنيَا، خَرجُوا منْها ومَا ذَاقُوا لَذيذَ العَيشِ فيهَا، ومَا ذَاقُوا أَطيبَ ما فيهَا».

وذِكْر اللهِ عز وجل هو أَطيَب مَا في الدُّنيَا، ولهذا قَال جل وعلا : {وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا}، قيل معنَاه: أنَّه يَعيشُ في ضِيقٍ في الدنيَا. وقيل: يُضيَّق عليْه قبرُه حتَّى تَختلفَ أَضلاعُه، ويُفرقُ له مِن النَّار، ويَأتيِه مِن سَمومِها وحَرِّها، فهُو في عِيشَة ضَنكٍ في الدُّنيَا وفي البَرزَخ، {وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ}: هذا حالُه قَبلَ الحَشرِ في ضَنكٍ ويُحشَر أَعمَى، { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا ١٢٥قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ ١٢٦وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَنۡ أَسۡرَفَ وَلَمۡ يُؤۡمِنۢ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِۦۚ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبۡقَىٰٓ ١٢٧} [طه: 125- 127] .

فَليتَأملِ الإِنْسَان هذه الآيَات، وأنَّه إذا غفلَ عن ذِكر اللهِ فإنَّه يَعيشُ عيشَةً ضَنكًا، وأشدُّ مِن ذلك أنَّه يُحشَر يومَ القيَامة أعمَى، كمَا عِمِي عن آيَاتِ اللهِ في الدنيَا فإنَّه يُحشرُ يومَ القيَامَة بلا بَصرٍ - والعياذ بالله - عُقوبَة له.


الشرح

([1])ذكره ابن القيم في الوابل الصيب (ص: 48).