وَإِذَا عُرِفَ هَذَا، فَأَعْظَمُ الأَْسْبَابِ
الَّتِي تُحَصِّلُ هَذِهِ اللَّذَّةَ هُوَ أَعْظَمُ لَذَّاتِ الدُّنْيَا عَلَى
الإِْطْلاَقِ، وَهِيَ لَذَّةُ مَعْرِفَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَلَذَّةُ مَحَبَّتِهِ،
فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ جَنَّةُ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا الْعَالِي، وَنِسْبَةُ
لَذَّاتِهَا الْفَانِيَةِ إِلَيْهِ كَتَفْلَةٍ فِي بَحْرٍ، فَإِنَّ الرُّوحَ
وَالْقَلْبَ وَالْبَدَنَ إِنَّمَا خُلِقَ لِذَلِكَ، فَأَطْيَبُ مَا فِي الدُّنْيَا
مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ، وَأَلَذُّ مَا فِي الْجَنَّةِ رُؤْيَتُهُ وَمُشَاهَدَتُهُ،
فَمَحَبَّتُهُ وَمَعْرِفَتُهُ قُرَّةُ الْعُيُونِ، وَلَذَّةُ الأَْرْوَاحِ،
وَبَهْجَةُ الْقُلُوبِ، وَنَعِيمُ الدُّنْيَا وَسُرُورُهَا، بَلْ لَذَّاتُ
الدُّنْيَا الْقَاطِعَةُ عَنْ ذَلِكَ تَتَقَلَّبُ آلاَمًا وَعَذَابًا، وَيَبْقَى
صَاحِبُهَا فِي الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ، فَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ
إِلاَّ بِاللَّهِ.
وَكَانَ بَعْضُ
الْمُحِبِّينَ تَمُرُّ بِهِ أَوْقَاتٌ فَيَقُولُ: إِنْ كَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ
فِي نَعِيمٍ مِثْلِ هَذَا إِنَّهُمْ لَفِي عَيْشٍ طَيِّبٍ.
وَكَانَ غَيْرُهُ يَقُولُ:
لَوْ يَعْلَمُ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ لَجَالَدُونَا
عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ.
****
الشرح
كيفَ تَعرِفُ اللهَ عز وجل
وأنتَ لم ترَه؟ تَعرِفه بالأَدلَّة والشَّواهِد، فإذَا نَظرتَ في أيِّ شَيءٍ في
هذه الدنيَا دلَّك على الخَالقِ سبحانه وتعالى ، وإذَا تَفكَّرتَ في نِعم الله
عَليْك وعلى النَّاس دَلتكَ على عَظمَة اللهِ وعلى كَرمِه ورَحمَته ولُطفِه، وإذا
تَأمَّلتَ في المَخلوقَات عَرَفتَ اللهَ تبارك وتعالى ، وتَيقَّنتَ مِن بَديعِ
مَصنُوعَاته، فهذا كلُّه يَدلُّ على اللهِ جل وعلا ، ويُعرِّفُك باللهِ.
وأَعظَم ما يُعرِّف باللهِ
أَسمَاؤه وصِفَاتُه، فإنَّ الله سَمى نفسَه بأَسمَاء ووَصفَ نفسَه بِصفَات، فإذَا
تَأملتَها دلَّتك على اللهِ ووصَّلتكَ باللهِ: {وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ
فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ} [الأعراف: 180] ، فادْعُوه بِها وتَوسَّلُوا إليْه بهَا؛ فهي تَدلُّ على
اللهَ جل وعلا .