بَينمَا أهلُ الطَّاعة
دائمًا في رَاحَة وفي طُمأنينَة ولَو لَم يَكنْ عندَهم شَيء، فهُم تَلذَّذوا
بِذكْرِه في الدُّنيَا، وفي الآخرَة يَتجلَّى اللهُ لهَم فَيرونَه عيَانًا،
وتَقرُّأعينُهم إذا رَأوا مَحبُوبَهم، فلا شَيء أَلذُّ عليْهم مِن ذلك، فَقَد تَشوَّقُوا
إليْه في الدنيَاوآمَنوا بِه، وصَبرُوا على طَاعتِه، فإِذا مَكَّنهم اللهُ مِن
رُؤيتِه - وهو غَايَة مَا يُحبُّونه - فهذهأَعظَم لذَّة، أَعظَم مِن لذَّة
الجنَّة، فإذَا كَانتِ الجنَّة عظيمَة ونَعيمُها مَقيمٌ، لكنَّ رُؤيةَ اللهِ ألذُّ
منهَا، فَكانَ هذا جَزاؤهُم لأنَّهم آمنُوا به في الدُّنيَا ولم يروْه، فتَجلَّى
لهم في الآخرَة، وقرَّت أَعينُهم برُؤيتِه.
أمَّا الكَافرُ الذي جَحَد
ربَّه في الدنيَا وأَنكرَ ربُوبيتَه وتكبَّر عن عبَادتِه، فإنَّ اللهَ يَحجِبُه
عنْ رُؤيتِه يومَ القيَامة عُقوبَة له: { كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ
يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} [المطففين: 15] ، في حِينِ أنَّ المُؤمنينَ يَنظرُون
إلى اللهِ عز وجل عيَانًا كمَا يَروْن القَمرَ ليلَة البَدرِ، وكمَا يَروْن
الشَّمس صَحوًا ليسَ دُونها سَحَاب، بَل ويُكلمُهمويَتلذَّذون بكلامِه سبحانه
وتعالى ، وهذا أَعظمُ نَعيمٍ يَنالُونَه في الآخرَة جِزاءً لهم على إِيمَانِهم بِه
في الدنيَا وهُم لمْ يَروْه.
والمُؤمنُون في الدنيَا بَلغَهم كَلامُ اللهِ بِواسَطة الوَحي الذي أَنزلَه على رسُولِه صلى الله عليه وسلم ، أمَّا في الآخرَة فيُكلمُهم اللهُ مبَاشرَة دُون وَاسِطة، فَيتلذَّذون بذلك ويَسمعُون كلامَه، فيَكونُ سَماعُهم لِكلامِه في الآخرَة أَلذّ مِن سَماعِهم لكَلامِه في الدُّنيَا، وإنْ كانَفي سَماعِ كَلامِه في الدنيَا لذَّة القُلوبِ وبَهجَة النُّفوسِ وقُوَّة الإِيمَان، ولكَن سَماعَه مبَاشرَة مِن اللهِ أَشَد لذَّة.