نَعَمِ، ابْنُ عَبَّاسٍ غير
مستنكر ذَلِكَ عَنْهُ. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ عَنْهُ: أَنَّهُ
سُئِلَ عَنِ الْمَيِّتِ عِشْقًا، فَقَالَ: قَتِيلُ الْهَوَى لاَ عَقْلَ لَهُ وَلاَ
قَوَدَ! ([1]).
وَرُفِعَ إِلَيْهِ
بِعَرَفَاتٍ شَابٌّ قَدْ صَارَ كَالْفَرْخِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُهُ؟ قَالُوا:
الْعِشْقُ، فَجَعَلَ عَامَّةَ يَوْمِهِ يَسْتَعِيذُ مِنَ الْعِشْقِ. فَهَذَا
نَفْسُ مَن قَال: مَن عَشِقَ وَعَفَّ وَكتَمَ ومَاتَ؛ فهُو شَهِيد.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ
أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَدَّ الشُّهَدَاءَ فِي الصَّحِيحِ، فَذَكَرَ
الْمَقْتُولَ فِي الْجِهَادِ، وَالْمَبْطُونَ، وَالْحَرِقَ، وَالنُّفَسَاءَ
يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا، وَالْغَرِقَ، وَصَاحِبَ ذَاتِ الْجَنْبِ ([2])، وَلَمْ
يَذْكُرْ مِنْهُمْ مَنْ يَقْتُلُهُ الْعِشْقُ.
وَحَسْبُ قَتِيلِ الْعِشْقِ
أَنْ يَصِحَّ لَهُ هَذَا الأَْثَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَلَى
أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَتَّى يَصْبِرَ لِلَّهِ، وَيَعِفَّ لِلَّهِ،
وَيَكْتُمَ لِلَّهِ، لَكِنَّ الْعَاشِقَ إِذَا صَبَرَ وَعَفَّ وَكَتَمَ مَعَ قُدْرَتِهِ
عَلَى مَعْشُوقِهِ، وَآثَرَ مَحَبَّة اللَّهِ وَخَوْفَهُ وَرِضَاهُ.
هَذَا أَحَقُّ مَنْ دَخَلَ
تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ
رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ
٤١} [النَّازِعَاتِ:
40- 41] . وَتَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ
رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ} [الرَّحْمَنِ:
46] .
فَنَسْأَلُ اللَّهَ
الْعَظِيمَ، رَبَّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ آثَرَ حُبَّهُ
عَلَى هَوَاهُ، وَابْتَغَى بِذَلِكَ قُرْبَهُ وَرِضَاهُ.
****
الشرح
الشَّاهد: أنَّ قولهَ: «مَنْ عَشِقَ وعَفَّ وكَتَم ومَاتَ، فَهُو
شَهيدٌ»، هذا الحَديثُ لمْ يَثبتْ مَرفُوعًا عَن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه
وسلم .
***
([1])ينظر: طوق الحمامة (ص: 93).
الصفحة 3 / 375