فلما تعبوا
للقتال، ورأى جند الله قد نزلت من السماء، فر، ونكص على عقبيه، فقالوا: إلى أين يا
سراقة، ألم تكن قلت: إنك جار لنا؟ فقال: ﴿إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ وَٱللَّهُ
شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [الأنفال: 48] ([1]).
وصدق في قوله: ﴿إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ﴾، وكذب
في قوله: ﴿إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ﴾ وقيل: خاف أن
يهلك معهم. وهو أظهر.
ولما رأى
المنافقون ومن في قلبه مرض قلة حزب الله، وكثرة اعدائه ظنوا أن الغلبة بالكثرة،
*****
لأن الشيطان لا يقابل الملائكة أبدًا؛ لذلك لما
رأى الملائكة، هرب وفر، وألقى بنفسه في البحر، وأخذ المشركون ينادون عليه: يا
سراقة، يا سراقة! قال: ﴿إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا
تَرَوۡنَ﴾؛ أي: أنه يرى الملائكة وهم لا يرون الملائكة.
ثم قال: ﴿إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ﴾، وهذا كذب.
وفي تفسير: إني أخاف
القتل في المعركة، أخاف من الملائكة، والله شديد العقاب.
فقوله: ﴿إِنِّيٓ أَرَىٰ مَا لَا تَرَوۡنَ﴾هذا صحيح، وأما
قوله: ﴿إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَۚ﴾ هذا كذب.
المنافقون دائمًا عند الشدائد يظهر نفاقهم، ويصرحون بما في
([1]) أخرجه: البيهقي في دلائل النبوة (3/79) وانظر: سيرة ابن إسحاق (ص 305)، وابن هشام (1/663)، وتاريخ الإسلام (2/94)، والبداية والنهاية (5/63).