×
تعليقات على مختصر زاد المعاد الجزء الثالث

فلما أن بلغه صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان غَيَّر مسار العير إلى طريق الساحل، وترك طريق بدر، ونجا بالعير، عند ذلك تشاورت قريش: هل يرجعون إلى مكة؛ لأن العير سَلَمت، أم لا؟

فكبراء قريش -مثل: أبي جهل، وغيره من طواغيتهم- تشاوروا في ذلك الأمر، قال أبو جهل: «والله لا نَرْجِعُ حَتّى نَرِدَ بَدْرًا -وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ، يجتمع لهم به سوق كل عامٍ- فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلاَثًا، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ، وَنُطْعِمُ الطّعَامَ وَنَسْقِي الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا فَلاَ يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا، فَامْضُوا».

الله جل وعلا هو الذي ساقهم، لكنهم تذكروا قبيلة تحول بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، خافوا منها، وهي قبيلة بني كنانة، «وَجَاءَ إِبْلِيسُ فِي جُنْدٍ مِنَ الشَّيَاطِينِ، مَعَهُ رَايَتُهُ فِي صُورَةِ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، وَالشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَقَالَ لِلْمُشْرِكِينَ: ﴿لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ [الأنفال: 47] »، وَيَقُولُ لَهُمْ: أَنَا مِنْ كِنَانَةَ، وَأَنَا جَارٌ لَكُمْ؛ أحْميِكم مِنْ كِنَانَةَ» ([1]).

عند ذلك قوي عزمهم على المضي، لا يريدون قتالاً، ولم يخافوا من القتال، وإنما جاؤوا رياءً؛ كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بَطَرٗا وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ [الأنفال: 47]، فهم يريدون السمعة، وأن يتسامع العرب بخروجهم، ويصدون عن سبيل الله عز وجل.


الشرح

([1])  أخرجه: البيهقي في دلائل النبوة (3/79)، وانظر: سيرة ابن إسحاق(ص305)، وابن هشام (1/663)، وتاريخ الإسلام (2/94)، والبداية والنهاية (5/63).