قيل للحسن: كيف عفا وقد سلط عليهم؟ فقال: لولا عفوه، لاستأصلهم، ولكن بعفوه
دفعهم بعد أن أجمعوا على استئصالهم ([1]).
*****
سُئل الحسن البصري
رحمه الله: كيف عفا عنهم، وسلط عليهم؟ إذًا لم يعفُ عنهم! يأتي الجواب.
لولا عفو الله عز وجل، لاستأصلوا المسلمين، ولكن الله ألقي في قلوبهم الرعب، لما أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إنا سنرجع إليكم، ونقتل بقيتكم، فالرسول عند ذلك أمر أصحابه الذين فيهم الجراح خاصة، الذين حضروا غزوة أحد، أمرهم بالمسير، وقادهم صلى الله عليه وسلم، خرجوا ونزلوا بمكان يقال له: حمراء الأسد ([2])، ينتظرون المشركين. فلما بلغ المشركين أنهم خرجوا في طلبهم، قالوا: ما فعلوا هذا، إلا أن عندهم قوة فانهزموا، وألقى الله عز وجل الرعب في قلوبهم. قال سبحانه وتعالى: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ ١٧٣ فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: 173- 174]، عندما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أن المشركين انهزموا وولوا الأدبار، وذهبوا إلى مكة، ولم يرجعوا، عند ذلك رجع المسلمون إلى المدينة سالمين ومأجورين، وقد نالوا رضا الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذا بعد الابتلاء والامتحان، وبعد الصبر، وبعد الثبات.
([1]) انظر: تفسير الطبري (6/144)، وابن أبي حاتم (3/789،797)، وزاد المسير(1/335).