فكل من هؤلاء
الظانين بالله ظن السوء، ومن الظانين بالله غير الحق ظن الجاهلية، ومن ظن أنه يكون
في ملكه ما لا يشاء، ولا يقدر على إيجاده وتكوينه، فقد ظن به ظن السوء.
*****
بلا شك أن هؤلاء هم أشد من ظن بالله ظن السوء؛
لأنهم ظنوا أن الله عز وجل قد خاطب عباده بشيء لم يرد معناه، ولم يرد ظاهره، فيكلفهم
بأن يحرفوه عن ظاهره، فهذا سوء ظن بالله عز وجل.
كذلك من ظن أنه
-سبحانه- لا يشرع لعباده، ومن ظن أنه لا يبعث الأموات ويجازيهم -كل هذا سيأتي-،
فقد ظن بربه ظن السوء.
ما زال الشيخ الإمام
ابن القيم رحمه الله يبين من معنى هذه الآية، وهي قوله تعالى: ﴿يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ
غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ ظَنَّ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِۖ﴾ [آل عمران: 154].
وهذه الآية نزلت
أصلاً في المنافقين، وما حصل منهم في غزوة أحد، وظهر نفاقهم، وتكلموا، فظهر ما في
قلوبهم؛ ما كانوا يخفونه من قبل ([1]).
وهذه الآية شاملة
لكل من ظن بالله سبحانه وتعالى ظن السوء؛ ظن الجاهلية من كل الفرق، وليس هذا
خاصَّا بالمنافقين فقط، فكل الفرق التي تظن بربهم عز وجل ما لا يليق به، فقد ظنوا
به ظن السوء، وظن الجاهلية.
وقد وصلنا إلى مسألة القدرية، وهم الذين يقولون: إنه يكون في ملك الله سبحانه وتعالى ما لا يريد، وهم المعتزلة، الذين يقولون: إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه، وليس لله إرادة في ذلك، وأن الله عز وجل لم يرد
([1]) انظر: تفسير الطبري (6/162)، وزاد المسير (1/337)، وابن كثير (2/145).