فلو كُتب القتل
على من كان في بيته، لخرج إلى مضجعه ولا بد ، وهذا من أظهر الأشياء إبطالاً لقول القدرية
.
ثم
أخبر -تعالى- عن حكمةٍ أخرى، وهي ابتلاء ما في صدورهم ، واختبار ما فيها من
الإيمان والنفاق .
*****
لو كتب القتل على
شخص، فإنه مهما أبعد وتحرز، لن ينجيه ذلك من نفوذ القضاء والقدر، بل لابد أن يسوقه
القضاء والقدر إلى حتفه ومكان قتله.
هذا من أظهر الأشياء
إبطالاً لقول القدرية النفاة - وهم المعتزلة-، الذين يقولون: إنه ليس هناك قدر،
وإنما الإنسان يخلق فعل نفسه، وهو الذي يوجد الأشياء بفعله، وليس لله سبحانه
وتعالى فيها قضاء ولا قدر، هذا قول القدرية النفاة، وهو من جنس قول المنافقين.
قال تعالى: ﴿وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا
فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ
ٱلصُّدُورِ﴾ [آل عمران: 154].
في هذه الآية أمران:
الابتلاء، وهو الاختبار، والتمحيص؛ أي: تمحيص المؤمنين من ذنوبهم، فالمؤمنون
أصابهم القرح؛ قُتل منهم أكثر، هل لأجل أن المؤمنين ليس لهم قدر عند الله عز وجل
ولا قيمة؟ لا، ولكن الله عز وجل أراد بهذا أن يتخذ منهم شهداء، وأراد سبحانه
وتعالى بهذا أن يمحص من بقي من المؤمنين من ذنوبه، ويطهره منها.
المؤمنون قد ظهر إيمانهم وتسليمهم لله عز وجل، والمنافقون ظهر نفاقهم، هذا من الحكمة؛ فلا يتميز المؤمن من المنافق، إلا بمثل هذه المصائب.