مِنَ
المَعْرِفَةِ بِاللهِ وَتَنْزِيهِهِ أَنْ يَجْعَلَ لِرَسُولِهِ امْرَأَةً
خَبِيثَةً .
فَإنْ قِيلَ:
فَمَا بَالُهُ صلى الله عليه وسلم تَوَقَّفَ وَسَأَلَ؟ قيل: هَذَا مِنْ تَمَام الحِكَمِ الْبَاهِرَةِ،
الَّتِي جَعَلَ اللهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ سَبَبًا لهَا وَابْتلاَءً لِرَسُولِهِ،
وَلِجَمِيعِ الأُمَّةِ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ، لِيَرْفَعَ بِهَا أَقَوَامًا،
وَيَضَعَ بِهَا آَخَرِينَ.
وَاقْتَضَى
تَمَامُ الامْتَحَانِ بَأَنْ حُبِسَ الوَحْيُّ عَنْ نَبِيِّهِ شَهَرًا؛ لِتَظْهَرَ
حِكْمَتُهُ عَلَى أَكْمَلِ الوُجُودِ، وَيَزْدَادَ الصَّادِقُونَ إِيمَانًا
وَثَبَاتًا عَلَى العَدْلِ وَحُسْنِ الظَّنِّ، وَيَزْدَادَ المُنَافِقُونَ إِفْكًا
وَنِفَاقًا، وَتَظْهَرَ سَرَائِرُهُمْ ،
*****
ولهذا قال الله جل
وعلا: ﴿ٱلۡخَبِيثَٰتُ
لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ
وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ أُوْلَٰٓئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ
لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ﴾ [النور: 26].
فهذه براءة عائشة
رضي الله عنها؛ أنها طيبة، زوجة الطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن
يجعل مع الطيب امرأة خبيثة أبدًا، إنما يجعل الله عز وجل الخبيث مع الخبيثة، هذه
حكمة الله جل وعلا.
توقف، وسأل، وليس
عنده شك، لكن ليدفع الريبة، ويدفع هذا الكلام.
هذا ابتلاء وامتحان وخذلان للمنافقين، ابتلاء وامتحان للمؤمنين؛ ليصبروا، ويثبت إيمانهم، ولم يهتزوا لهذه الشائعة أبدًا، وليظهر نفاق المنافقين؛ حتى يحذرهم المسلمون، وليخزيهم الله عز وجل، فأخزاهم الله عز وجل في النهاية.